وطن لا يشبهنا
خولة مطر
آخر تحديث:
الإثنين 25 مايو 2015 - 8:45 ص
بتوقيت القاهرة
فى انعكاسات على ما يجرى فى الأوطان كلها، لا يمكن إلا أن يكون العربى اليوم أبعد ما يكون عن وطنه وتبدو غربته الأكثر هناك حيث أوطان تحولت إلى مجرد نقاط على خارطة بوسع امتداد الصحراء التى تجمع كل عربى حتما، فلكل عربى صحراؤه أو هكذا يراد له أن ينفرد ببقعة صغيرة من الرمال المتحركة وسط صحراء شاسعة.
كلما أبعدت النظر عن هذه البقعة بحث عن واحة وسط القحط، كلما وقفت مندهش من حجم القحط والغربة التى أصبحت فيها.. تسارعت العصبيات حتى أصبحت هى سمة الصباح والمساء وقبل السلام والتحية عليك أن تعرف عن انتماءاتك القبلية والطائفية والمناطقية وحتى ضاقت فأصبح حيك هو أنت!! لم تعد هناك مساحات مشتركة كلها منعزلة، كلها مقسمة، كلها مفتتة وصار ما يقسم هو الأكثر حضورا من ما يوحد حتى تحت اسم البشرية والإنسانية وليس الوطن أو المنطقة أو الإقليم أو؟؟ ضاعت الهوية عندما تقلصت وبدت صغيرة ودنيئة جدا بل ربما الوصف الأفضل لها هو الوضيعة.. نعم إنها الوضاعة عندما نخير إما أن نجتمع تحت الراية السوداء التى تسمى نفسها إنها تجمع باسم الدين والله والرسول، أو فلنا الهلاك ثم الهلاك!!!
•••
كانت التقسيمات فى الفكر لا فى الأوطان، كان الاختلاف على كل شىء وأى شىء سوى أن نختلف على كيفية تقسيم الوطن... هل نحوله إلى دويلات حسب العرق أو الطائفة أو الفئة أو ؟؟ كان الهدف أن نتوحد رغم صعوبة وفشل التجارب المتعددة على تنوعها، أصبح التوحد الآن على التقسيم والاختلاف الوحيد هو على كيفية وضع الحدود وتأشيرات العبور حتى أصبح القادم من مدينة الدمار بحثا عن قارب نجاة فى المدينة المجاورة لا يستطيع مهما كبرت مأساته وخوفه من حملة السيوف والإعلام المشوهة، إلا أن يدخل بتأشيرة ما.. كثرت تلك التأشيرات وتسمياتها وكلها تبحث عن الاختباء خلف حاجز لا يمكن أن يسمى سوى بالاسم الصحيح له وهو التعصب المغزز!!!
لم تعد هذه الأوطان تمتلك مساحة للآخر.. ضاقت حتى أصبح الفضاء العام كله ذو لون واحد لا تلاوين فيه لفصول البشر ولا حتى ثقب للجمال بل كثير من التشوهات تحت تسميات متعددة.. كرر ذاك المتأمل منذ مدة، هو أو هى الذين بقوا ممسكين بحفنة تراب الوطن الذى كان حتى بدت حبات الرمل تتسرب من بين أصابعهم وهم ينظرون إلى الخارج بكثير من الخوف.. أما تحمل بعض الذكريات والصور تلملمها فى حقيبة هى الأخرى خزانة لتاريخ كان وترحل ربما أولا للأقرب متصور أن هذا أو ذاك قد ينجو من هذا الطوفان وتبقى أنت قريب من ذاك الذى كان وطنا. وما هى إلا بضعة أشهر حتى تحس أن أطراف الطوفان بدأت تتسرب إلى كل بقعة فى هذا الوطن الممتد ذاك الذى كنت تجد نفسك فيه أصبح الآن لا يشبهك حتما. تلملم بضع ما تتصور أنه سيبقى تلك الصورة الجميلة فى الذاكرة وترحل فهناك حيث المدن المفتوحة على السماء قد تجد ربما ملجأ ولكن صعب أن تجد وطنا.
•••
أصبح الحلم ليس فى وطن يشبهك بل ضاق ليتحول إلى أن يبقى الوطن موحدا وربما تستطيع أن تجد فسحة صغيرة تختبئ فيها أنت ومن حولك.. ضاقت الأوطان فاختبئنا فى الغرف البعيدة تغلق الأبواب والنوافذ تحبس الهواء حتى لا ينقل رائحتك لأن فيها شيئا يدنس ذاك الذى أغلقوا عقولهم عليه وحصروه فى ضيق خرم الإبرة وأطلقوا عليه اسم الدين.. جاءت الأديان لتوحد البشر من نفس تلك الأرض يعود هولاكو الجديد ليمزق الارض والوطن باسم نفس ذاك الدين.