يختبئ الجهل خلف الشهادات المزركشة

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الأحد 25 مايو 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

سقطت المدارس والعلم عندما أصبح معظم التعليم العربى جزءًا من سوق العرض والطلب. تحولت من مسئولية الدولة لمواطنيها عليها إلى مسئولية من يلد ذاك الطفل أو يتركوا ليربيهم الشارع أو تيك توك، تسارع الآباء فور استخراج شهادات الميلاد لأطفالهم، للبحث عن أى مدرسة مناسبة لمستقبل يأتى لهم ولأبنائهم بفرصة عمل «مبهرة»، راح الأب والأم يضعوا القرش فوق القرش، بل هو الفلس فوق الفلس كله من أجل دفع أقساط تلك المدرسة التى ستفتح شبابيك، بل بوابات السماء لأبنائهم وبناتهم فترتفع بهم درجة أو درجات ضمن السلم الوظيفى بل والطبقى أو ربما تقفز بهم ليصبحوا هناك ضمن قوائم فوربس وبلومبرج مع ذاك العدد القليل من مليارديرات العالم.

• • •

سقطت المدارس عندما يلتحق معظم أبناء المسئولين عن التعليم والجامعات وصناعة القرارات فى العالم العربى، كلهم يلتحقون بالمدارس الخاصة ويرتقون إلى أعلاها تدريجيًا، وهم يرددون أننا قمنا بتحسين التعليم العام والمدارس الحكومية! وسقطت عندما يقول بعض المسئولين العرب إننا نعمل على تحسين جودة التعليم ومخرجاته فيما طوابير العاطلين من الخريجين يصطفون أمام مكاتب التوظيف «متسولين» لفرصة عمل تعوض كل تلك المصاريف على تعليم يكرس كثيرًا من العتمة بدلًا من فتح أبواب النور، ألم يقل ذاك المسئول الألمانى، وهو يبتسم «هذا دليل على أن المسئول أو الحاكم فاسد جدًا» عندما رأى أن ميزانيات الدفاع فى بلد ما أعلى بكثير مما يصرف على التعليم وخاصة الأساسى منه، وعندما يمرض مسئول منهم يطير إلى مستشفى هناك فى بلد بعيد فيما كليات الطب فى بلده تخرج الآلاف من الأطباء والمختصين!

• • •

تفشل بعض الدول فى حكمها ليس فقط عندما تكتم الصوت المختلف وربما تحبسه أو تعتقله بالعزلة بدلًا عن السجن أو كليهما، بل أيضًا عندما يكون المعلم حبيس أفكار وتاريخ قديم أو متصورًا أن التعليم وسيلة لكسب الرزق عبر تلقين غبى لا يرسخ فكرة البحث والنقد فيصبح الطالب موظفًا أو خبيرًا أو مختصًا أو حتى أستاذًا جامعيًا، وهو لا يتقن سوى التحفيظ والتلقين وكتم الأسئلة ككاتم الصوت فى المسدسات المستوردة. «حضائر» لا مدارس مفتوحة على الأفكار المتصارعة ولا مساحات للإبداع والابتكار ولا حتى لرأى مختلف ولا صوت داخلى، ومناهج يصيغها ربما كثير من الخبراء بنوايا حسنة جدًا، لكنها تنتهى تحت مقص الرقيب وأهدافه فتتحول دروس التربية الوطنية وتتلون حسب من يحكم ومن يهيمن ومن يخطط لمستقبل قد لا يكون مشرقًا إلا فى غرفة المظلمة هو وليس فى الواقع.

• • •

تسقط المدارس والتعليم عندما يتصور بعض المعلمين والمربين أن التعليم يتطور بمجرد أن يحضر الطالب جهاز كمبيوتره الخاص أو يتواصل مع معلميه وأساتذته عبر البريد الإلكترونى، فكر ضيق وفهم ضيق كما قالت تلك المسئولة عن التعليم فى ذاك البلد البعيد الأفقر أوروبيًا والأقل ذكرًا فى وسائل الإعلام، قالت: نحن هنا قد اتخذنا خطوات مغايرة للنظام التعليمى المعولم فقد عولمت الولايات المتحدة كل شىء حتى نظامها وأساليبها التعليمية بل رسخت فكرة أنها الأفضل لأى طالب وساعيا للعلم فى أى بقعة فى العالم. تقول تلك المربية لقد اكتشفنا أنها على العكس تحول الطفل أو الطفلة إلى شىء من الكسل فكل شىء يحل عبر الأجهزة أو الذكاء الاصطناعى فلما التفكير والتعب أو التعلم عبر اللعب أو الخروج فى حضن الطبيعة وتعلم البحث والتمحيص وإعادة المحاولة لإيجاد إجابات غير تقليدية لأسئلة قد تبدو قديمة بعض الشىء أو مكرره.

• • •

نحن لا نريد أن نخرج طوابير من البشر المتشابهين حد التطابق حتى فى معرفتها وتطلعاتهم وهواياتهم وأفكارهم ومعتقداتهم، بل نترك لهم حرية التجوال فى كل دهاليز العلم والفكر والإبداع كما يشاءون، وهنا ربما يتعلمون أيضًا فن تقبل الآخر وعدم نبذه. ويشير أحد المختصين بأن هناك أكثر من 54 مليون أمى فى العالم العربى (سيرتفع العدد إلى 100 مليون فى العام 2030 حسب الألكسو)، لكن العدد أكبر بكثير إذا ما عرفنا أن كثيرًا من الخريجين حاملى الشهادات حتى الجامعية منها لا يحسنون الكتابة والقراءة بأية لغة بما فى ذلك لغتهم العربية، بل لا يعرفون أى شىء عن العلم والتطور والتاريخ والجغرافيا وغيرها من أسس المعرفة.

• • •

يسقط أو يفشل التعليم عندما يتحول متعلميه إلى مستهلكين غير قادرين على إنتاج ما يلبسون أو يأكلون كما قال جبران منذ عقود طويلة وتفشل الحكومات فى تحقيق أهدافها أو تطلعات شعوبها عندما يندس الجهل فى صفوفها الأمامية ويختبئ الجهلة خلف الشهادات الفاخرة ويتسلقون حتى يصلوا إلى مناصب صنع القرار ملتحفين ومتزينين بتلك الدرجات العليا من التعليم فى أعرق الجامعات خارج أوطانهم، طبعًا فلا قيمة لجامعة أو مدرسة وطنية كما كان فى تاريخنا الماضى! وتفشل الدول عندما يتصور الجاهل بأنه حامل لواء العلم والمعرفة لحمله شهادة تلك الجامعة أو لمنصب لم يكن يحلم به.. تسقط المدرسة والتعليم فتسقط الشعوب بالأمم، ويبقى الجهل مستلقيًا على ظهره يضحك عليهم جميعًا.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved