القوة فوق الحق

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 25 يونيو 2025 - 8:40 م بتوقيت القاهرة

لم يعد هناك أدنى شك أن العالم يعيش حاليا عصر «القوة فوق الحق» وسقوط كل ما ظلت الدول الغربية تردده على مسامع شعوب العالم من أحاديث القانون الدولى وحقوق الإنسان والشرعية الدولية.

ففى يوم 13 يونيو الماضى استيقظنا على إسرائيل الدولة التى يعرف القاصى والدانى أنها تمتلك ترسانة نووية غير مشروعة، وترفض الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووى، وهى تقصف إيران الدولة الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووى والتى تخضع منشآتها النووية للتفتيش من جانب خبراء وكالة الطاقة الذرية للتفتيش على منشآتها النووية.

وبدلا من أن تسارع الدول الغربية إلى إدانة الانتهاك الإسرائيلى لكافة القوانين الدولية التى أرستها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وشنها حربا دون أى غطاء من الشرعية الدولية ضد إيران، وجدناها تعلن تأييدها للكيان الصهيونى بدعوى «حقه فى الدفاع عن نفسه» فى مواجهة الخطر الإيرانى المزعوم.

بل إن المستشار الألمانى فريدريش ميرتس احتفى بالعدوان الإسرائيلى الذى لا يتمتع بأدنى قدر من الشرعية وقال إن «إسرائيل تقوم حاليا بالعمل القذر نيابة عن الغرب بأسره»، مضيفا: «لا يسعنى إلا أن أعبر عن بالغ الاحترام لامتلاك الجيش الإسرائيلى الشجاعة، ولقيادة الدولة الإسرائيلية الشجاعة، للقيام بما فعلوه».

كما فتح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خزائن بلاده العسكرية والدبلوماسية لدعم العدوان الأمريكى قبل المشاركة فيه.

وخرج ترامب ليتحدث صراحة عن إمكانية اغتيال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئى دون أى اعتبار للقانون الدولى.

وأمام كل هذا وقفت المؤسسات الدولية عاجزة عن مجرد إصدار بيان يدين استخدام القوة غير المشروعة فى الاعتداء على أراضى دولة عضو فى الأمم المتحدة، ومنشآتها النووية السلمية الخاضعة لتفتيش خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

فى المقابل كشفت الحرب عن امتلاك إيران للقدرة على الرد على العدوان وإلحاق خسائر غير مسبوقة بالكيان الصهيونى وفرضت عليه حالة من الشلل الاقتصادى والاجتماعى طوال أيام الحرب الاثنى عشر ليضطر رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى القبول المفاجئ بوقف إطلاق النار دون تحقيق أى من أهداف الحرب المعلنة وفى مقدمتها القضاء على البرنامج النووى الإيرانى، خاصة وقد أكد تقرير مخابراتى أمريكى أن الضربات الأمريكية والإسرائيلية لم تؤخر هذا البرنامج إلا لعدة شهور.

بل إن امتلاك إيران لقدر من القوة يتيح لها التهديد بإلحاق الأذى بالمصالح الأمريكية فى المنطقة ردا على الهجوم الأمريكى على المنشآت النووية الإيرانية يوم الأحد الماضى، أتاح للإيرانيين القيام بقصف «رمزى» لقاعدة العديد الأمريكية فى قطر لحفظ ماء وجهها وعدم الظهور بمظهر من تلقى الضربة من القوة الأعظم فى العالم دون أن ترد عليها، ثم يسارع الرئيس ترامب بإعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب الثلاثية بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة.

انتهت الحرب خلال 12 يوما لأن أطرافها الثلاثة امتلكوا من القوة ما يتيح لكل طرف إلحاق الأذى غير المحتمل بالآخرين، فى حين تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة لأكثر من 625 يوما دون توقف لا لشىء إلا لأن إسرائيل تقتل فى غزة دون رادع حقيقى، لا عسكريا ولا حتى سياسيا.

ما حققته إيران من أسباب القوة لم يكن إلا اعتمادا على جودة قاعدة علمية وطنية أتاحت لها القدرة على تطوير برنامج نووى عجزت إسرائيل وأمريكا عن القضاء عليه، وبرنامج صاروخى استطاع إجبار الصهاينة على القبول بوقف إطلاق النار دون تحقيق أهدافهم. لهذا ترتكب بعض الدول العربية خطيئة كبرى مع استمرار اعتمادها على تحالفها مع أمريكا والدول الغربية لضمان الحماية، والاكتفاء بترديد الكلام الفارغ عن الشرعية الدولية والقوانين، دون أى سعى حقيقى لامتلاك القوة اللازمة للدفاع عن الحقوق من خلال الاهتمام الحقيقى بالتعليم والنهضة العلمية التى يمكن أن تضمن لها امتلاك أسباب القوة والاستقلال الحقيقيين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved