الحروب العربية المتنامية

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 25 يوليه 2015 - 9:15 ص بتوقيت القاهرة

العنف المنفلت من كل عقال، والذى يجتاح أوطان العرب منذ سنوات أربع كاملة، يغدو أكثر فأكثر مجرد عينة مما هو آت. فالصراع الدموى الذى نشهده راهنا، والاجراءات المتصاعدة للحكومات العربية، باتا يفرضان ضغوطا هائلة على المواطنين العرب. وما لم ينقلب هذا المسار سريعا، لا ينتظر المرء سوى موجات جديدة أكثر شدة من الصراع والمواجهات الحالية.

لم يشهد العالم العربى، منذ أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، خرابا عظيما مماثلا. لقد زلزلت الأرض زلزالها فى ما لا يقل عن تسعة بلدان عربية، بحيث بلغ العنف فيها حدا غير مسبوق من الوحشية والهمجية. والأدهى أن التوتر آخذ فى التصاعد حتى فى البلدان التى تنعم بالسلام نظريا. لقد تمكن الضعف والوهن من سلم قيم لطالما كانت راسخة، فيما بدأت الأسس المجتمعية التى كانت متينة ذات يوم تتداعى.

مزق الاقتتال فى سوريا والعراق وليبيا واليمن مجتمعات بأكملها. وأنهت أعمال التطهير العرقى التى يمارسها تنظيم الدولة الإسلامية قرونا من التمازج الدينى والعرقى والثقافى، كما أجبرت نحو مليونى شخص على ترك ديارهم قسرا.

وبالرغم من كونها مسقط رأس خمسة بالمئة فقط من سكان المعمورة، لفظت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من ثلث اللاجئين على مستوى العالم. فى سوريا وحدها، أرغم 11 مليون شخص على النزوح عنوة من قراهم ومدنهم إلى مناطق داخلية أخرى، أو عبر الحدود الدولية.

***

تساهم الاختلالات الديموغرافية الضخمة الحاصلة فى تغيير الهوية الاجتماعية والسياسية للمنطقة على نحو لا رجعة فيه. والحق أن الأطراف المتحاربة فى مختلف أنحاء المنطقة تتبنى الطائفية كوسيلة للتحشيد، الأمر الذى يزيد من استقطاب السكان على أسس دينية وعرقية وأيديولوجية. تستغل كل من المملكة العربية السعودية وإيران الانقسامات الداخلية فى اليمن حول مظالم سياسية واقتصادية اجتماعية تاريخية لتنفخا فى أوتار حرب بالوكالة تدور رحاها بينهما على أرض اليمن، ليغدو النزاع تمظهرا لخلاف تاريخى بين السنة والشيعة.

حتى فى البلدان التى ما زالت تنعم بالسلام، بات التمييز على أساس الهوية والانتماء يحظى بالقبول على نحو متزايد. فى مصر على سبيل المثال، لم يتأخر العامة فى إظهار دعم واسع النطاق للحملة الصارمة التى تستهدف جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها من الإسلاميين.

تزيد هذه الاضطرابات العرب فقرا على فقر، وتحد من فرص بلوغ الازدهار والرفاهية. أكثر من 21 مليون طفل عربى باتوا خارج المدرسة، فى حين يصنف ٥٠ مليون عربى فى خانة الفقراء. فى سوريا، يعجز 80 بالمئة من السكان عن تلبية احتياجاتهم المعيشية الأساسية. وقبل اندلاع الصراع الأخير فى اليمن، كان أكثر من ثلث السكان، نحو 11.5 مليون شخص، يعانون من انعدام الأمن الغذائى. ومنذ ذلك الحين، أضيف نحو مليونين إلى المجموع العام.

لقد أوجدت هذه الاضطرابات أرضا خصبا لعسكرة الشباب ودفعهم إلى التطرف. ساهمت تونس، قصة النجاح المحتفى بها بين الثورات العربية، بأكبر عدد من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية ــ ما يقدر بنحو 3000 شخص (أغلبهم من الشباب). وتظهر أدلة أن المتصارعين لا يتورعون عن استخدام الأطفال لشن حروبهم. فى اليمن، ثلث المقاتلين تقريبا من الأطفال. ويتباهى تنظيم الدولة الإسلامية بأنه يدرب الأطفال لخوض معارك المستقبل.

بدلا من امتصاص الاحتقان والسخط الشعبى أو محاولة إنجاز مصالحة وطنية، تستخدم الحكومات العربية القوة الغاشمة لإغلاق كل نافذة ممكنة للمعارضة أو الحوار. إن منع المواطنين من التعبير عن الرأى السياسى بالوسائل الديمقراطية، قد يدفعهم خارج الأطر السلمية للمشاركة، وينذر بإمكانية تحول السخط الشعبى إلى اعمال عنف. ففى الأردن والمغرب، تواجه السلطات تحديا متصاعدا فى احتواء النزعات المسلحة. والواقع أن اختيار القادة السياسيين للأدوات الامنية بدلا من إتاحة سبل المشاركة فى العملية السياسية سيؤدى إلى خسارتهم الأرض بشكل متزايد لصالح جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية، فهى الكيانات الوحيدة فى المنطقة التى تقدم رؤية واضحة للمستقبل ــ وإن كانت وحشية ورجعية.

***

فى هذه المرحلة من الصراعات المتفاقمة، يتطلب إنهاء الأعمال العدائية فى سوريا والعراق واليمن إجماعا وطنيا وإقليميا ودوليا. ولتفادى المزيد من العنف الكارثى، على الحكومات العربية العودة إلى الأسس، ووضع عمليات سياسية شاملة للفئات المجتمعية والسياسية، وإنهاء العنف المنفذ من قبل أجهزة الدولة، وضمان مراعاة الأصول القانونية، ومعالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية.

مها يحيى

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved