انعكاسات الاتفاق النووى على العراق
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 25 يوليه 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
فى منطق الرياضيات السياسية، لا يمكن حساب الربح والخسارة بلغة الأرقام؛ لذا فإن سنوات طويلة مرت، ودبلوماسية الصوت العالى ترتفع فى المحافل الإقليمية والدولية، رغم عقلانية اللاعبين، وساعات عديدة يشتد فيها الصراع على تطبيق معادلة صراع الأرض الثالثة بعيدًا عن حسابات دبلوماسية النفط التى حاولت أن تفرض مركبها لتغيير المعادلة عبر الضغط باتجاه شيوع روح المباراة الصفرية فى المفاوضات بين الطرفين.
وهو مبدأ تصفه أدبيات العلاقات الدولية بأنه «مفاوضات المروحة الضاربة فى الرمل التى تعطيك غبارا، ولا تعطيك تهوية» بعد أن استصعب الجميع إيجاد حل «لوغارتمات» خريطة الشرق الساخن. وكأن التفاوض كان بين مدرستين وضعهما المفاوض الفلسطينى صائب عريقات فى كتابه «عناصر التفاوض بين على بن أبى طالب، وروجر فيشر». لم يكن منطق المباراة الصفرية اليوم فى حسابات المفاوض الإيرانى والأمريكى، ويدرك كلا الفريقين أن أمتيهما بحاجة ماسة إلى هذا الاتفاق؛ ومن ثم سعت الدبلوماسية الإيرانية إلى فرض نفسها عبر دبلوماسية الخطوة ــ خطوة، وإن كان منطق التفاؤل صعبا، ومستعصبا؛ بسبب طبيعة أوضاع المنطقة.
ولكن ربما سوف يشكل عالم ما بعد يوليو عهدا جديدا، وإن كان يحتاج إلى أشواط أخرى. فبمنطق الواقعية، والبراجماتية السياسية، وبلغة المصلحة الواضحة سيكسب الجميع دفء شمس هذا الاتفاق عدا بعض الأطراف التى ترى نفسها أنها ستكون خارج حسابات المنطقة، أو هى التى ترى نفسها بمعيار الصحفى الأمريكى Thomas Friedman الذى يراه أقرب إلى زلزال جيوسياسي، وسيكون لتأثيرات أى اتفاق دولى مع إيران أثره فى المنطقة أكثر من وقع اتفاقية كامب ديفيد، وحدث الثورة الإيرانية ذاتها عام 1979. أما بالنسبة لإيران فهى لم تعد بحاجة إلى هذا الاتفاق لإثبات وجودها بقدر ما أبرزه المفاعل الإيرانى خلال تلك المفاوضات من قدرة دبلوماسية، وقوة ناعمة عبر عنها لاحقا بالمرونة البطولية فى إدارة ملف العلاقات الدولية.
***
المهم عراقيا أن بغداد كانت تنظر إلى نظيرتها طهران بعين الداعم لمثل هذا الاتفاق، بل أحيانا المشارك فى الدفع بهذا الاتفاق، وهذا ما تؤكده بعض الوثائق المهمة التى كشفت حرص الدبلوماسية العراقية، وبعض أطراف الحكومة على تشجيع الجانب الأوروبي، والأمريكى على الاستمرار فى هذا التفاوض خصوصًا سفراء الاتحاد الأوروبى، وصولا إلى اتفاق؛ لذا ستصبح بغداد من أبرز الفائزين بهذا الاتفاق الذى يمثل بمقاييس الواقعية مصلحة استراتيجية مهمة على الأصعدة المختلفة، منها:
•تمثل إيران رقعة الشطرنج الأساسية فى المنطقة؛ ومن ثم فإن تحقيق الاتفاق سيمنح المنطقة حالة من الهدوء والاستقرار النسبى فى منطقة تعيش على نيران مشتعلة وسط جفاف، وجفاء دبلوماسى مستمر.
•إن أى حالة استقرار فى المنطقة سوف تخلق جوًا مناسبًا لتوجيه كل القدرات باتجاه الحرب على داعش، وتوحيد ساحة الحرب باتجاه العدو؛ إذ أن العراق اليوم يقاتل «داعش» بالنيابة عن دول العالم، ويرى من مقياس المصلحة أن يشترك الجميع معه.
•سوف ينعكس ذلك الاتفاق على السياسة الإقليمية فى المنطقة، ويساهم فى حالة فك الاختناق الإقليمى تجاه التعامل مع دول المنطقة، وتحديدا الجوار العراقى.
•سوف تنتقل المنطقة من اقتصاديات الحرب إلى اقتصاديات السلام، ولاسيما مع عودة إيران إلى السوق النفطية، إذا ستفرض إيران متغيرات مهمة فى سياسة النفط العالمية، وفى أسواق التصدير. دخول إيران فى المعادلة سوف ينهى مقولة: السوق النفطية السعودية المسيطرة على الإنتاج النفطى؛ ومن ثم معالجة أزمات هبوط أسعار النفط بشكل غير أحادى يعمل على إغراق السوق العالمية بالنفط، حتى وإن انخفضت أسعار النفط بضخ إيران نفطها فإن ذلك سوف يكون بشكل قصير المدى.
•سيكون الاتفاق الشامل بين الجانبين بوابة لتفاهمات إقليمية ودولية أخرى، لتجنيب المنطقة التوتر والأزمات؛ من أجل التوصُل إلى حل دبلوماسى سلمى يرضى جميع الأطراف.
•إن وجود علاقات طبيعية ومفيدة بين العراق وإيران من جهة، وبين العراق والغرب من جهة أخرى، يشجع جهات صنع القرار على التفاهم المشترك، كما سيؤكد هذا الاتفاق حق الدول فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية على وفق ما أقرته مُعاهَدة عدم الانتشار النووى NPT.
•إن أى اتفاق بين الجانبين سوف يساعد فى إجراء حوار مماثل فى ملفات، مثل الموضوع السورى الذى يشكل أبرز تهديد أمنى للعراق والمنطقة، ونقطة تجميع التنظيمات الإرهابية.
• يشكل العمق الاستراتيجى للعراق دولة نووية، فإيران باتت بموجبه قوة إقليمية نووية باعتراف مذيل بتوقيع الخمسة الكبار. وما يجمع بين العراق وإيران العديد من المشتركات؛ فطول الحدود يبلغ 1458 كم، علاوة على المشتركات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، وسيفتح الآفاق التجارية بعد رفع العقوبات.
•إيران باتت دولة إقليمية كبرى يصعب تجاوزها، وعدم أخذ مصالحها فى الحسبان فى أى ترتيبات إقليمية مستقبلية، وفى مُجمَل أزمات المنطقة، وإعادة هندسة المنطقة على وفق توازنات جديدة تضمن عدم انزلاق الأمور إلى حروب كبيرة، ويخلق هذا الموضوع توازن القوى فى طبيعة العلاقة بين أقطاب المنطقة، وبذلك يجد مُعادِلا نوعيا فى التحدِى الشيعى – السنى، والعراق جزء مرتكز فى هذه السياسة.
***
خلاصة القول: يجب أن يتفق الجميع فى ركوب قطار التسوية السياسية، ومواجهة الخطر المشترك، والوقوف مع الجبهة العالمية لمكافحة الإرهاب، ومعالجة الاحتباس السياسى قبل الانفجار الكبير.
الأخبار ــ لبنان
ياسر عبدالحسين