«وصفة» ثروت عكاشة
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 25 يوليه 2017 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
مدهش اعتقاد البعض أن ما أكتبه عن ثروت عكاشة هنا يستهدف النيل من تجربته، فى حين أن هدفى إثارة النقاش حولها كتجربة مهمة يمكن أن تساعد فى استعادة الوعى بأهمية الثقافة وسط مناخ «تعبوى» يستسهل فيه البعض الحديث عن القوى الناعمة دون امتلاك تصور واضح يعى حجمها أو سبل استثمارها وهذا بالضبط ما أدركه عكاشة.
وما تقوله أوراقه إنه لا يمكن انبثاق أية سياسة من أفكار عشوائية أو من نزوات.
سمع عكاشة نبأ تعيينه وزيرا لأول مرة من الراديو عقب سهرة فى أوبرا روما استمع فيها وهو سفير مصر للمغنى بوريس كريستوف وهو يؤدى دوره فى أوبرا «بوريس جودنوف» لمورسورسكى.
ولأن أحدا لم يطرح عليه الفكرة رفض قبول الوزارة وخاف من التورط فى السياسة إلا أن عبدالناصر نجح فى اقناعه.
قبل العمل استمع عكاشة لآراء المثقفين فى مؤتمر عام ثم واصل بتطوير ما أنجزه فتحى رضوان الوزير الذى سبقه ونال دعما مباشرا من جمال عبدالناصر الواعى بقيمة الثقافة فى مشروع دولته، صحيح انه انحاز بعد ذلك لتصور مضاد قدمه عبدالقادر حاتم منتصرا للكم وليس الكيف الا انه تراجع واستعاد «وصفة» عكاشة.
وفى مذكراته التى نشرت فى ثمانينيات القرن الماضى وعى مبكر بمفهوم «السياسات الثقافية» الذى انشغلت به قطاعات من النخبة فى المجتمع المدنى قبيل ثورة 25 يناير سعت لاقراره وإدارة الحوار حوله مع وزراء الثقافة الذين تعاقبوا بعدها.
ويعطى عكاشة تعريفا متقدما لها سابقا على تعريفات «اليونسكو» الذى كان عضوا فى مجلسها التنفيذى ويربطها بخطة التنمية الشاملة، مشيرا إلى أنها «ليست محاولة من الدولة لصنع ثقافة حكومية وإنما لتشجيع ازدهار القيم والتطلعات الثقافية بكل انواعها حتى تفرغ الدولة لنشاطها فى الميادين الأخرى».
ويقر بأن السؤال التقليدى عن ماهية الثقافة تم تجازوه إلى أمر آخر هو السياسة الثقافية أو الاطار العام للعمل الثقافى! ومهمة الوزارة: «تسيير السبل للخلق والابداع وليس احتكاره، مع اقامة المشروعات الكبرى التى لا يقوى الأفراد على انجازها».
وهناك الكثير الذى يمكن تأمله فى السياق الحالى، ومنه وعيه الحاد بقيمة الثقافة المحلية وضرورة ربطها بالثقافة العالمية ومؤسساتها، فلا يمكن اقامة ثقافة قومية الا بالإفادة من كل ثقافات العالم وفنونه.
ويبدى الرجل اعتزازا واضحا بالصناعات الابداعية وعلى رأسها السينما وبعمله على تجهيز بنية تحتية ومؤسسات ادارية وأكاديمية مؤهلة للعمل بين الناس لتوسيع قاعدة «الاستهلاك الثقافى» ومن هنا تحمس لتجربة «قصور الثقافة» التى تدين له وللكاتب سعد كامل بكل الفضل، وانظر معى لمصيرها الآن وهى تعانى من «قصور مزمن» وعطب غير مفهوم أصابها بالشلل التام وقت الحاجة الملحة لدورها.
وتطرح المذكرات أسئلة بالغة الأهمية منها: هل الثقافة سلعة أم خدمة؟ وما حاجة وزارة الثقافة لعمالة زائدة تعوق العمل الثقافى بدلا من تسييره؟ وعن اشكالية ادارة المثقفين لمؤسسات الثقافة وعملهم فيها والأهم ضروة احترام الدولة لحرية «منتج الثقافة».
ولعل بؤرة الظلام التى أخذت من نور تلك التجربة كون صاحبها غض الطرف فى الممارسة أو الكتابة عن توحش السلطة مع المثقفين منذ العام 1959 وكان فى عز تجربته كما أنه تجاهل تماما الإشارة للصراعات داخل أجهزة الدولة والتى حددت مسار تجربته ومصيرها وسهلت مهمة اجهاضها بعد ذلك.