العنف والصمت هبطا على العالم معا.. لماذا صمتوا في ألمانيا؟ وغزة؟ وهنا؟
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 25 يوليه 2025 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
إذا، لقد عاد النازيون. لكن مَن أعادهم ليس «اليسار»، بل بنيامين نتنياهو وعميت سيغال «معلّق سياسى فى القناة 12»، قال نتنياهو إن مقاتلى «حماس» هم النازيون الجدد، وسيغال شبّه دمار غزة بدمار دريسدن. هل هذا ابتذال للمحرقة؟ أم مقارنة مستفزة؟ المقارنة ممنوعة؟ لكن يُسمح بها إذا كان «النازى» هو الطرف الآخر.
هناك جرائم حرب نازية، وهناك جرائم فحسب. الإجرام النازى فريد فى نوعه. أمّا جرائم الحرب، فهى ليست كذلك. لم تُرتكب جرائم كجرائم النازيين، لكن ارتُكبت جرائم أُخرى. تم نقل أطفال ونساء من مكان إلى آخر حتى فى الحرب. العقاب الجماعى والتهجير القسرى لم يختفيا. ونحن نفعل ذلك، على الرغم من أن إسرائيل وقّعت اتفاقية تحظر هذه الأفعال.
هل ارتكبنا جرائم حرب فى غزة؟
الجواب هو الصمت. لا تأكيد ولا نفى.
الصمت هو أن تنفّذ، لكن من دون أن تتكلم. إنهم يخفون عنا الحقيقة. لا أرقام، ولا معطيات. يعترفون بوجود الجوع، لكنهم ينكرون التجويع. يقرّون بموت الرضّع، لكنهم لا يعرفون عددهم، ولا السبب. العالم كله يعلم، إلّا نحن. لا نخفى إلّا ما نخجل به. وإذا علمنا بوجود جرائم حرب، ماذا سنفعل؟ لا شىء. مَن يعترف بجرائم حرب، سيحمّل الذنب لأولادنا الأبطال، جنودنا الأبطال..
الإخفاء هو اعتراف بالذنب
لم نقُل إن لا شىء لدينا لنخفيه. لم نقدّم حججا جديدة. فالأنظمة الظلامية هى التى تخفى دائما. إن دخان محارق داكاو وصل إلى المدينة المجاورة، وصدى الانفجارات فى غزة يُسمَع فى أشدود. لا نستطيع القول إننا لم نكن نعلم. العالم أيضا يعلم. لكن كيف سيردّ؟ هل سيُجبرنا على زيارة الأنقاض؟ هل سيفرض علينا إرسال طلاب المدارس ليتعلموا: «لن يتكرر هذا قط؟».
نحن نخاف من ردة فعل العالم، لا من ردة فعلنا. لا نخاف من غضب الجماهير، ولا نخشى من تظاهرات الأربعمائة ألف. نعتمد على الصمت. صمت إزاء جرائم الحرب فى غزة، صمت إزاء ضرب نائب فى الكنيست، صمت حيال اعتداءات المستوطنين وتجريد المتظاهرين من ملابسهم على يد الشرطة. عندنا يقال فقط: «الناس يفرّغون غضبهم». لكن الغضب يؤدى إلى العنف. على الطريق، فى المدارس، وفى غزة. والعنف يتسلل، من الحكومة إلى الكنيست، ومن الكنيست إلى الجيش، ومنه إلى الشرطة، وإلى الشارع.
العنف يولّد الصمت
إن العنف والصمت هبطا على العالم معا. لماذا صمتوا فى ألمانيا؟ فى غزة؟ فى الاتحاد السوفيتى؟ لماذا نصمت نحن؟ لأن العنف مرعب. لأن العنف مخيف. ترى نائبا يُضرب؟ اصمت. متظاهر يُضرب فى الشارع؟ لا تتدخل. لماذا تتدخل؟ قد يستدعونك إلى التحقيق. قد يجرّدونك من ثيابك. ستمضى ليلة فى الحجز.
هل العنف مجد؟ فى الاستوديوهات لم يقرروا بعد. لا يعلمون ما إذا كانت جرائم الحرب مدعاةً للفخر، أم للعار، أو ما إذا كان موت الأطفال يحقق المشاهدات، أم لا، وإذا كانت الصور القاسية معلومات، أم خيانة، أو ما إذا كان يجب تمجيد الترانسفير، أم استنكاره. تُمنع المقارنة، ويُسمح بالفعل.
بات الترانسفير مسموحا به، وحصل على الشرعية. لقد تم «تهويده» فى موازاة العملية التى تحوّل فيها بنيامين نتنياهو إلى مئير كاهانا. كتب أحد النواب فى الكنيست «لا يجب أن يكون الترانسفير كلمة قذرة، أحيانا، لا يتحقق السلام الحقيقى إلّا عندما يغادر أحد الطرفين». لكنه مسح التغريدة بعد ذلك.
أمّا عاموس عوز «روائى إسرائيلى (1939-2018)]، فكانت لديه وجهة نظر مختلفة، إذ قال: «هذه الفكرة مستحيلة لأننا لن نسمح لكم... حتى لو اضطررنا إلى تقسيم الدولة والجيش. حتى لو اضطررنا إلى النوم تحت إطارات الشاحنات».
إسرائيل التى حلم بها عوز ليست إسرائيل نتنياهو. لا أحد سيلقى بنفسه تحت إطارات الشاحنات. لا أحد سيحتج على موت الرضّع، على الرغم من أنه لا يمكن أن نتصور أن جندى احتياط، لديه أطفال، قد يكون غير مبالٍ بموت الأطفال. الأطفال الموتى هم أطفال موتى. فى بئيرى، وفى غزة، وفى فيتنام أيضا. الشاعرة دينيس ليفرتوف «شاعرة بريطانية - أمريكية (1923-1997)» كتبت عنهم:
«… المرة تلو الأُخرى؛ رضيع بعد رضيع، نسى اسمه، جنسه مجهول وسط الرماد، يصعدون فى لهب، يشتعلون، لكنهم لا يختفون، لا يذوبون كالرؤى، بل يبقون، كرماد فوق العالم، أو أحياء، فى أنين، أو متعفنين فى المستشفيات، ثلاثة فى سرير واحد؛ ولهذا، فإن بصيرتى القوية، بصيرتى الواضحة والحنونة، بصيرة الشاعرة التى مُنحت لى، تحولت إلى غشاوة. هناك طبقة من الماء الأبيض على عينى الداخلية».
يوسى كلاين
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية