معارضو السياسة و (ألتراس) الرياضة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 25 سبتمبر 2010 - 9:38 ص
بتوقيت القاهرة
ماذا كان سيحدث لو أن الحكومة طلبت من أجهزة الأمن السماح لبضعة مئات من الناشطين أن يتجمعوا فى نظام ويقفوا أمام قصر عابدين مساء يوم الاثنين الماضى فى ذكرى وقفة أحمد عرابى أمام الخديو توفيق، ويهتفوا بضعة هتافات، ويعود كل إلى منزله؟!
والسؤال الافتراضى الثانى هو ماذا كان سيحدث لو أن الحكومة طلبت من أجهزة الأمن أن تمارس عملها الطبيعى فى ضبط الأمن العام فى شوارع القاهرة والجيزة وتمنع الصدام البربرى بين جماهير الأهلى والزمالك مساء اليوم نفسه بعد نهاية مباراة كرة اليد بينهما.
لو كان قد حدث ذلك، فهو كان يعنى أننا نعيش حياة عادية طبيعية، يمارس كل شخص فيها وظيفته، ويحدث فيها تداول للسلطة.. الحكومة تؤدى دورها وتنفذ برنامجها المعلن، والمعارضة تعلن أن لديها برنامجا أفضل، تتظاهر سلميا، وتتولى الشرطة حماية المظاهرات طبقا للقانون وبما لا يخل بالأمن ويعطل مصالح الناس ويصبح صندوق الانتخابات الشفاف والنزيه هو الفيصل.
وبما أن ذلك وكذلك لم يحدثا، فإن ما رأيناه مساء يوم الاثنين كان نتيجة حتمية لنمط الحياة المقلوب الذى نعيشه.
حوالى 500 متظاهر أمام قصر عابدين.. احتشد لمواجهتهم الآلاف من قوات الشرطة.. وبضعة مئات من متعصبى الأهلى والزمالك حولوا شوارع المهندسين والزمالك إلى ساحة حرب مفتوحة دون رقيب أو حسيب.
الذى ساقه حظه العاثر مساء هذا اليوم للتوجه إلى وسط البلد خصوصا عابدين وباب اللوق والسيدة زينب والعتبة، فقد دفع الثمن غاليا.. سمعت سيدة تسب وتلعن لانها محشورة فى سيارتها مع اولادها الصغار، بينها وبين بيتها مسافة أمتار، الأمن يمنعها من ركن السيارة ولا تستطيع فى الوقت نفسه مغادرتها، الأولاد يصرخون لانهم عائدون من أول يوم دراسى ويريدون النوم وطفلة رضيعة لا تتوقف عن البكاء.. أسرة أخرى تسكن فى ميدان عابدين، حاول أحد أفرادها تصوير ما يحدث بالموبايل من شرفة الشقة، يبدو أنه اعتقد أنه يعيش فى سويسرا أمام قصر الحاكم.. وبعد دقائق سمع طرقا عنيفا على باب الشقة وتحذيرا واضحا شمل شقق العمارة والمنطقة كلها: التصوير ممنوع منعا باتا، ولا يدرى هذا الضابط المسكين صاحب الانذار أن الدنيا تغيرت.. و«كبسة زر» واحدة كفيلة بإرسال ملايين الصور والفيديوهات إلى الفيس بوك واليوتيوب وهو ما حدث بالفعل.
عناصر الأمن تكدست فى وسط البلد لمحاصرة المظاهرة المناهضة للتوريث وتركت بقية الشوارع مفتوحة ليحتلها بلطجية يزعمون أنهم مشجعون للأهلى والزمالك.
هؤلاء المشجعون اختلفوا كالعادة عقب مباراة لكرة اليد، وبدلا من أن يقتصر الخلاف على التشجيع المحترم أو حتى «السب المتبادل» كما يحدث غالبا.. فقد قرر الطرفان المتعصبان المنظمان «الألتراس» أن يجربا اللجوء إلى القوة وكأنهما كانا يعرفان أن لا أحد سوف يقول لهم «عيب».
لمدة ساعات احتل هؤلاء المتعصبون شوارع البطل أحمد عبدالعزيز والجزيرة وبعض شوارع الزمالك والمهندسين وحولوها إلى ساحات حرب. أتلفوا المحال وكسروا السيارات. ومنها سيارة زميلة بالأهرام فوجئت أنها تدمرت ومعها سيارة زوجها لمجرد أن المتعصبين قرروا ذلك. سوء حظهما العاثر جعل هؤلاء المتعصبين يمرون بالشارع الذى يسكنون فيه.
فى مرات كثيرة تدفع أجهزة الأمن ثمن فشل سياسات الحكومة، ولذلك ففى الدول التى تحترم إرادة مواطنيها نجد أجهزة الأمن مرتاحة، دورها فقط هو تنظيم المظاهرات، لكن فى حالة العكس تنقلب المهمة لمنع الاحتجاج ثم الاشتباك وهو ما قد يؤدى إلى اعتقالات وربما إسالة الدماء.
لا تريد الحكومة أن تصدق أنها عندما تتفرغ بكل أجهزتها لمحاصرة ومطاردة بضعة مئات وآلاف من المعارضين السياسيين فإن البلطجية العاديين الجنائيين سوف يحتلون الشوارع وقد يطيحون بها هى شخصيا.