نشر مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS مقالا للكاتب جون ألترمان، يقول فيه إنه مع تراجع استكشاف الوقود الأحفورى لأسباب عديدة ومنها البيئية، فإن انخفاض المعروض من النفط سيؤدى إلى ارتفاع سعره. وأن ارتفاع سعر الوقود الأحفورى لن يسرع من وتيرة استخدام الطاقة النظيفة، بل سيوجه أنظار العالم لنفط منطقة الشرق الأوسط، فتصبح الأخيرة مركز الإنتاج العالمى للنفط نظرا لانخفاض تكلفة إنتاجه فى تلك المنطقة وقلة تأثير كربونه على البيئة... ونعرض من المقال ما يلى:
سيختفى الوقود إلى حد كبير فى قرننا الحالى، وفى حين أن مصادر الإمدادات المستقبلية للكهرباء غير معروفة جيدًا، إلا أنه يبدو أن الطاقة الكهربائية ستهيمن فى المستقبل.
دفعت هذه الحقيقة البعض فى الولايات المتحدة إلى الابتهاج بأن تراجع النفط والغاز سيعنى قريبًا نهاية المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. لكن الأمر ليس بهذه البساطة.
بادئ ذى بدء، لن يكون النفط والغاز سلعتين استراتيجيتين فى المستقبل، لكنهما بالتأكيد استراتيجيتان الآن بعد الغزو الروسى لأوكرانيا وتأثيره على أسواق الطاقة العالمية وتهديد إمدادات التدفئة فى أوروبا فى فصل الشتاء. لكن هذه المشكلة ليست أزمة قصيرة الأمد.
السبب ببساطة أنه تم استهلاك الكثير من النفط، ولا يرغب العديد من المستثمرين الاستمرار فى استكشافه، ويرجع ذلك جزئيًا إلى العداء لقطاع النفط والغاز لأسباب بيئية، وتوقعهم بأن الاستثمارات الجديدة سيكون لها دورة حياة قصيرة جدًا لتغطية التكاليف. ولا أدل على ذلك من المصافى التى تزود الساحل الشرقى للولايات المتحدة بالبنزين، والتى لم تعد قادرة على تلبية الطلب، ناهينا عن أنه مرت عقود منذ أن تم بناؤها، ولن يقوم أحد ببناء مصافٍ أخرى.
رغم أن المنطق التقليدى يقول أن أسعار النفط والغاز ستنخفض مع تراجع الطلب، إلا أنه من غير المرجح أن تسير الأمور على هذا النحو. بكلمات أكثر تفصيلا، تنتج حقول النفط القديمة أقل من الحقول الجديدة، ومع تضاؤل الاستكشاف وتراجع الاستثمار فى الحقول الحالية، فإن النتيجة الأكثر احتمالية هى فترة ينخفض فيها العرض بسرعة أكبر من الطلب، مما يضع ضغطًا تصاعديًا على الأسعار. يمكن للمرء أن يجادل بأن ارتفاع الأسعار مفيد على المدى الطويل لأنه سيجعل الوقود البديل (الطاقة النظيفة) أكثر قدرة على المنافسة. ولكن قبل أن يفعل ذلك، فإنه سيجذب انتباه العالم إلى الشرق الأوسط، حيث يمكن لدول تلك المنطقة المصدرة للنفط الاستثمار فى إنتاجه، وسيكون لديهم مصلحة استراتيجية فى إطالة عصر النفط من خلال إعادة أسعاره إلى مستوى معقول لإبطاء عملية تبنى الوقود البديل. تجادل الدول المنتجة بأن هناك منطقًا بيئيًا وراء انجذاب العالم لنفطهم، نظرًا لأن إنتاجهم لديه أقل بصمة كربونية فى العالم، علاوة على انخفاض تكاليف إنتاجه عالميا.
• • •
طبعا، تتزاحم مجموعة من الأسباب لمنح الشرق الأوسط لقب «مركز الإنتاج العالمى» للنفط، بل والحفاظ على هذا اللقب حتى مع ظهور بدائل الطاقة الأخرى.
حتى الآن، الولايات المتحدة تندفع للخروج من الشرق الأوسط مع تزايد الحديث عن منافسة دائمة مع الصين. ويتزايد قلق الولايات المتحدة بشأن الإجراءات الصينية فى المحيط الهادئ، مما يجعل الشرق الأوسط وكأنه معركة الأمس بالنسبة لأمريكا. لكن بينما تتجه الولايات المتحدة إلى آسيا، تشق الصين طريقها فى الشرق الأوسط بصبر معلنة أنها ترياق للهيمنة الأمريكية، فبكين لا تقدم محاضرات عن الحوكمة ولا تطلب شيئًا سوى المصالح التجارية البحتة.
ومع ذلك، فإن مصلحة الصين محسوبة. بمعنى أن الصين أكثر حرصًا من الولايات المتحدة على تحرير نفسها من الاعتماد على الشرق الأوسط. حيث تعتبر بكين اعتمادها على الشرق الأوسط نقطة ضعف دائمة؛ لأنها لا تفتقر إلى القوة العسكرية لحماية مصالحها هناك فحسب، بل إنها تخشى أيضًا أن تتمكن الولايات المتحدة من فصلها بسرعة عن طاقة الشرق الأوسط فى حالة نشوب صراع. بمعنى آخر، تفتقر الصين إلى احتياطيات كبيرة من النفط والغاز مثل الولايات المتحدة، وبالرغم من أن لديها الفحم المحلى، إلا أنه يفسد الهواء فى المدن الصينية. لذلك، تدرك حكومة بكين أن هناك حاجة للخروج من عصر النفط بشكل أكثر إلحاحا من الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، الصين لديها موقف محسوب وواقعى تجاه الشرق الأوسط. فبالرغم من أنها تدرك ضرورة عدم اعتمادها على الشرق الأوسط، إلا أن ذلك يرافقه اعتراف بأن العلاقات مع المنطقة يجب أن تزداد قوة. لذلك، من الحكمة أن لا يتحول الجيش الأمريكى بشكل حاد عن المنطقة على الرغم من الضغط للتركيز على المحيط الهادئ، وذلك بسبب اعتماد حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية بشدة على طاقة الشرق الأوسط.
بالتأكيد كانت زيارة بايدن إلى السعودية فى يوليو الماضى خطوة بناءة فى هذا الاتجاه أيضًا؛ لأن بناء أنماط مستدامة من التعاون، واحتضان المشاريع المشتركة، ومساعدة الشركاء على تنويع اقتصاداتهم ليس أمرًا ذكيًا فقط من حيث المنافسة العالمية مع الصين، ولكن أيضًا من حيث تعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
مرة أخرى، إذا كان البعض فى الولايات المتحدة ابتهج لقرب نهاية عصر النفط والغاز وبالتالى قرب نهاية مصالح واشنطن فى الشرق الأوسط، فالصبر هو المطلوب بالضبط، لأن القادم يخالف التوقعات الأمريكية.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: https://bit.ly/3SbjVu