عن الأستاذ الإمام محمد عبده
إيهاب الملاح
آخر تحديث:
الجمعة 25 أكتوبر 2019 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
لم تكن شخصية الأستاذ الإمام؛ الشيخ محمد عبده (1849ــ1905)، فى غموض وضبابية شخصية جمال الدين الأفغانى (1838ــ1897)، صاحب الأثر الأكبر فى تكوينه الفكرى ورؤيته الإصلاحية والتجديدية للخطاب الدينى والحضارى. الإمام الشيخ «محمد عبده»، هو أحد أبرز المجددين فى الفكر الإسلامى، والخطاب الدينى فى العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح، وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة، ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده فى تحرير العقل العربى من الجمود الذى أصابه لعدة قرون
ورغم مرور ما يزيد على القرن على وفاته (119 عاما)، ولكن أفكاره ما زالت حية وباقية، وإن كنا طوال هذه الفترة نشهد الصراع العنيف بين الإصلاح الذى كان ينشده الإمام محمد عبده، وكان من رواد الدعوة إليه، وبين التيارات المحافظة المتشددة التى تقاوم الإصلاح والتجديد بكل عنف وشراسة ورفض.
ولأن الإمام الشيخ محمد عبده كان أكبر المجددين والمصلحين الإسلاميين فى مصر والعالم العربى، خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى وفاته (1905)، فكان بالضرورة أن تتصدى له وبعنف الجماعات الدينية المتشددة، وأن يتهموه اتهامات عديدة، منها ما طال إيمانه وسلوكه وممارساته الشعائرية (التى هى فى النهاية مسلك يخص صاحبه ولا شأن لأحد به إلا خالقه!)
وقد تصدى عدد من تلاميذ الأستاذ الإمام لدحض هذه الشبهات والاتهامات وردها بأدلتها الدامغة من سيرته الحياتية والفكرية وسلوكه الشخصى. وكما لم تكن وفاة محمد عبده نهاية لحملة الهجوم عليه لم تقف هذه الحملات عند حد مهاجمة آرائه بل تعدتها إلى حد اتهامه فى دينه وسلوكه، فما زال أتباع هذه التيارات حتى اللحظة يسيئون إلى الإمام ويشوهون تراثه، وينقبون بجهل وضيف أفق وتعصب فى سيرة حياته بغرض التشكيك فى أصالة فكره وانتماءاته، وإسناد العديد من المساوئ إليه.
ولهذا رأى البعض أنه من الضرورى إعداد دراسات تاريخية مدققة ووافية (سنتعرض لها بالتفصيل فى مقالات تالية)، وفى موضوعية ونزاهة، لإلقاء الضوء، ومن خلال ظروف العصر، على حقيقة الدور الذى لعبه الشيخ محمد عبده، وأثره على تطور الحياة الفكرية والاجتماعية فى مصر الحديثة. ولذا فما وصلنا من مصادر عن سيرة الأستاذ الإمام، توضح وتجلى تفاصيل حياته بكاملها دونما التباس ولا تردد. وكذلك ما أنجز عن الأستاذ الإمام فى مجرى الدراسات التاريخية والنقدية والفكرية أكثر من أن يعد أو يحصى بالعربية وبغيرها من اللغات.
ومثله مثل أستاذه الأفغانى، انخرط الإمام محمد عبده فى الدفاع عن الإسلام ضد منتقديه من مفكرى الغرب وكتابه. وردوده على المسيو «جابرييل هانوتو» السياسى والمؤرخ الفرنسى (1853ــ1944)، فيما ذهب إليه من اتهام «الإسلام» بأنه علّة تخلف المسلمين، يمكن للقارئ الرجوع إليها فى كتابه المهم «الإسلام بين العلم والمدنية».
كان السؤال: من أين يبدأ الإصلاح؟ ومن الذى يحدد شروطه وملامحه وأولوياته؟ وهل يبدأ الإصلاح سياسيا أم يبدأ ثقافيا وفكريا؟ وما دور «الدين» عمومًا، و«الإسلام» على وجه الخصوص، فى مشروع الإصلاح.
يتفق الدارسون والمتخصصون فى فكر الإمام محمد عبده على وصف خطابه بالإصلاحى التجديد الشامل، وعلى قدرته العالية على محاورة الآخر، ولو من باب السجال، من جهة أخرى، خطاب حضارى إنسانى يسعى لتأكيد قيم الحرية، والمساواة، والعدل، ويريد استنهاض الشعوب لاسترداد مجدها والسيطرة على مصيرها.
ولم يكن الخطاب الإصلاحى للشيخ محمد عبده مختلفًا فى منطلقاته العامة عن خطاب أستاذه «الأفغانى»، وإن اختلف معه فى التفاصيل الدقيقة، ونحن نعلم تأثير الأفغانى العميق فى الشيخ محمد عبده، وهو تأثير أكثر من تأثيره فى كل من أثر فيهم خلال سنوات إقامته فى مصر. لقد استطاع عبده أن يحول أطروحات الأفغانى العامة إلى خطة عمل فكرى ثقافى شاملة؛ ومن خلال نهجه الإصلاحى تتلمذ على يد الأستاذ الإمام العشرات من رجال الفكر والثقافة والدين؛ ومن عباءته الفضفاضة خرج السلفى المغرق فى سلفيته «رشيد رضا»، والليبرالى الموغل فى ليبراليته «منصور فهمى» و«قاسم أمين»، والوسطى المعتدل فى وسطيته «الشيخ مصطفى عبدالرازق»، والاشتراكى والاجتماعى، والتنويرى، والسياسى، والناقد، والمفكر، والمفسر، والفقيه، وأستاذ الجامعة. كان من تلاميذه كلٌّ من: العقاد، وطه حسين، وأحمد أمين، وسعد زغلول، والأخوان مصطفى وعلى عبدالرازق، ومصطفى صادق الرافعى، ومحمد فريد وجدى، ورشيد رضا، وعبدالعزيز جاويش، وغيرهم.