الغريب
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 25 نوفمبر 2022 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
هو فيلم يمثل حالة غريبة فى تاريخ السينما المصرية، فهو أحد الأفلام القليلة التى اشترك فى إخراجها أكثر من مخرج، وهما هنا فطين عبدالوهاب وكمال الشيخ عام 1956، والمثير للحيرة أنك لا تعرف أى جزء أخرجه الأول أو الثانى، وعليك أن تريح نفسك وألا تفكر، كما أنه أحد الأفلام القليلة أيضا التى اعتمدت على نصوص أدبية عالمية واكتفت فقط بنصف صفحات الكتاب، فـ (الغريب) الذى كتبه حسين حلمى المهندس هو فقط معالجة لنصف صفحات الكتاب الذى نشرته إيميلى برونتى تحت عنوان «مرتفعات وايزرينج» فلم نعرف مثل هذا الأمر إلا بعد ذلك بثلاثين عاما فى فيلم مع سبق الأصرار لأشرف فهمى المأخوذ فقط عن نص صفحات رواية الزوج الابدى للكاتب الروسى ديستوفيسكى، ونعنى هنا أن كاتب السيناريو يجد أنه أمام أحداث طويلة نهرية قد تحتاج إلى إنتاج، يقترب من موعد عرضه ثلاث ساعات، رغم أن مرتفعات وايزرينج كانت فى السينما البريطانية بمثابة الحكاية المدللة، فتم إخراجها أكثرمن مرة كاملة، وليس أبدا مثلما فعل الفيلم المصرى، ومن الواضح أن الكاتب قد رأى أنه من المهم تجاهل القسم الثانى من الرواية التى تصور كيف تحارب وتصارع أبناء الجيل الثانى من عائلة هيث كليف، رغم ذلك فإننا أمام عمل سينمائى مكتمل تماما انتجه يحيى شاهين بنفسه كى يغير من صورته أمام المتفرج، وقد أعجبته هذه التجربة فعاد بعد سنوات إلى رواية أخرى للكاتبة والشقيقة شارلوت برونتى، ليقدم فيلما مع نفس البطلة ماجدة وكاتب السيناريو حسين حلمى المهندس وعبدالوارث عسر بعنوان هذا الرجل أحبه.
فى هذا الفيلم الغريب بدأت الحكاية منذ أن عثر رجل ريفى عجوز على صبى صغير متشرد سرعان ما ضمة إلى أسرته ولد وبنت كى يتربى بينهما، وظل هذا الغريب فى حياة مستكينة حتى مات العجوز فوجد نفسه بين كفتى متناقضتين، البنت تحنو عليه والولد يقسو بشدة.
إنها رواية غريبة بالفعل، وقف النقاد أمامها حيارى، فلا هى بالعمل الرومانسى أو الواقعى إذا وضعها النقاد فى ركن واحد يحمل أسم الرواية باعتبار أن الروايات الأخرى يمكن أن نحدد الصفات التى يتسم بها البطل أو أى شخصية فى العمل إلا أن الغريب هنا يحمل كافة تناقضات البشر.. هو صنف جامد ليس من السهل أن نتعاطف معه، يحب بشدة ويكره بشدة، غير حريص على مظهرة أمام الآخرين، لا يعنيه أمر الاغتسال أو النظافة حتى أمام حبيبته التى تطلب منه دوما أن يكون نظيفا، وهو يتعامل مع الأخ الأكبر فى الأسرة بقسوة وكراهية، ويعبر لحبيبته بصوت أجش عن مشاعر بالغه الرقة والصدق، ومن هنا تأتى المواجهات فى حياته، حتى وإن أدى به الأمر أن يهجر المزرعة ويغادر حبيبته التى يجبرها أخوها أن تتزوج من أبن المزرعة المجاورة، لقد صارت الفتاة زوجة لرجل آخر لا تحبه يعرف أن قلبها لا يسكن معه ولكن مع هذا الشخص المثير للاشمئزاز، ويغيب الغريب سنوات ويعود ليجد حبيبته قد تزوجت غير سعيدة مع زوجها هذه المرة لم يعد الغريب شخصا قذرا منفرا بل صار غنيا اشترى المزرعة بأموال السفر وتزوج من شقيقة الرجل الذى تزوج من حبيبته، إنها أدوار متميزة جسدها كل من يحيى شاهين وماجدة ومحسن سرحان وزهرة العلا وحسين رياض وعبدالوارث عسر وآخرين وتحتدم الصراعات عن قصد، فالغريب يعذب زوجته انتقاما من أخيها والحبيبة تتعذب لوجود الغريب قريبا منها دون أن تستطيع الحصول عليه ويصيبها مرض السل القاتل وتموت بين ذراعى حبيبها الذى لم يستطع أن يتملكها سواء كان يمتلك المال أو يفتقر إليه.
حسب الرواية فإن هناك جيلا ثانيا من الأبناء يعيشون حكايات الحب المستحيل فى أجواء من المحبة والكراهية مثل التى عاشها الجيل الأول، وعلى كل فإن الصياغة التى كتبها حسين حلمى المهندس قد صنعت فيلما مكتملا وكان المخرجان حريصين على عمل فيلم به أجواء الغموض والعاطفة، والغريب أنك لا تلاحظ قط أى سمة مشتركة بين ها الفيلم مثلا وبين الافلام الأخرى لفطين عبدالوهاب أو الافلام الأخرى لكمال الشيخ، وأعتقد أنه قريب من أفلام كتبها بعد يحيى شاهين، والأرجح أنه وضع بصمته كمخرج، بالإضافة إلى كونه كاتب السيناريو، أؤكد أن هذا العمل لم يتم تناولة بما يستحق فى النقد السينمائى ونحتاج إلى إعادة رؤية له ومقارنته بالأفلام البريطانية، وأيضا بالرواية نفسها التى ترجمت إلى العربية فى أكثر من طبعه كاملة منها جزآن كاملان من سلسلة مطبوعات كتابة.
نحن نعلم جميعا أن إميلى برونتى لم تكتب سوى هذه الرواية وان هذا الأمر تكرر بالنسبة لشقيقتيها شارلون وآن، لكن السينما اهتمت بمرتفعات وايزرينج وجين أير، ومن الملاحظ مدى شغف حسين حلمى المهندس بأعمال هاتين الشقيقتين، ونحن لم نعرف ان فطين عبدالوهاب أو كمال الشيخ قد اتجهت انظارهما إلى الأدب الإنجليزى أو غيرها من الآداب، لذا كمال الشيخ كان فى بعد الأحيان يغير من إيقاع أفلامة الغامضة، لكنه أبدا لم يقترب من الأدب إلا فى الستينيات، وكان هناك استثناء عام 1956 برواية بوليسية مصرية لا تعتبر من العلامات البارزة فى فيلم حب وإعدام، أما فطين عبدالوهاب فقد اختار الجانب الكوميدى أساسا لموضوعات أفلامه، وكان يقدم أحيانا أعمالا غير كوميدية منها فيلم الأخ الكبير وساحر النساء حتى عثر على رواية اللص والكلاب فى اوائل الستينيات وصار يجد سبيله السينمائى وليس فى الفيلم البوليسى.