الجبهة الإثيوبية الجديدة
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 25 ديسمبر 2016 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
الجبهات تنفتح ضدنا فى كل مكان، وعلينا الانتباه كثيرا حتى لا نجد أنفسنا معزولين بفعل تكتل قوى إقليمية ودولية كثيرة ضدنا.
آخر الجبهات هى إثيوبيا التى اتهم رئيس وزرائها هيلى ماريام ديسالين مصر بأنها تؤوى جماعات إرهابية تسعى لزعزعة استقرار بلاده، وأن ذلك قد يؤثر على علاقات البلدين.
ديسالين اختار منصة قناة الجزيرة القطرية ليشن هجومه ضد مصر يوم الجمعة الماضية. وقال انه طلب من الحكومة المصرية اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الجماعات الإرهابية التى تتلقى دعما من جهات مصرية حسب قوله.
الاتهام الإثيوبى ليس جديدا، وسبق أن تم ترديده قبل شهور حينما تظاهر الآلاف من قومية الأرومو ضد سياسات الحكومة الإثيوبية التى يقولون إنها تضهطدهم. وحتى قبل ذلك كانت الاتهامات توجه ضد جماعات مصرية غير رسمية، أما الجديد الآن فهو أن إثيوبيا بدأت تجاهر بهذا الأمر أكثر من مرة وبصوت مرتفع.
لا أعلم مدى جدية اتهامات الحكومة الإثيوبية، خصوصا أن مصر الرسمية تؤكد دائما رفضها التام لأى تدخل فى الشئون الداخلية الإثيوبية، وسبق لها التأكيد على هذا الأمر أكثر من مرة.
ظنى أن إثيوبيا بدأت تبحث بجدية عن مشكلة كبرى مع مصر هدفها الأساسى هو عدم الالتزام بالضوابط والقواعد الفنية فى بناء سد النهضة. أديس أبابا تعاملت معنا إلى حد كبير بالطريقة الإسرائيلية طوال الفترة الماضية واستنزفت الوقت منذ يوليو ٢٠١٣ بطريقة ماهرة، حتى تجعل إنشاء سد النهضة أمرا واقعا، الأمر الذى يجعل دراسة المكاتب الاستشارية مجرد أوراق بلا قيمة.
للموضوعية تعاملت مصر مع إثيوبيا منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى للحكم فى يونيو ٢٠١٤ بطريقة جيدة جدا، بل أن هذا التعامل بدأ فعليا منتصف عام ٢٠١٣، مع خروج جماعة الإخوان من الحكم بعد المؤتمر الكارثى بقيادة محمد مرسى فى قصر الاتحادية.
رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين هو أكثر مسئول أجنبى قابله السيسى، الذى زار أديس أبابا أكثر من ثلاث أو أربع مرات، وخاطب الشعب الإثيوبى من برلمانه فى أديس أبابا معلنا أن مصر تمد يدها للإثيوبيين بالسلام، كما قابل السيسى ديسالين أكثر من مرة فى نيويورك وشرم الشيخ والقاهرة وكل العواصم الأخرى التى جمتعهم معا فى مؤتمرات ولقاءات مشتركة.
مصر أيضا أرسلت العديد من الوفود المختلفة لأديس أبابا للبرهنة على نواياها السلمية، وترجمت ذلك بتعزيز التعاون الاقتصادى مع إثيوبيا، كى ترسخ أسس العلاقات المشتركة بين البلدين.
لدى إثيوبيا مشاكل داخلية قديمة، ولديها مشكلة أكبر مع إريتريا أدت إلى حرب حدود دامية قبل سنوات. وبالتالى فالحل السهل هو تعليق أى فشل داخلى على شماعة المؤامرة الخارجية. الرئيس الإريترى أسياسى أفورقى زار القاهرة قبل أسابيع فى زيارة عادية مثلما يفعل الكثير من رؤساء دول العالم، فهل تريد إثيوبيا من القاهرة ألا تستقبل أفورقى مثلا، وإذا كان ذلك صحيحا فهل يحق لنا أن نطلب منها عدم استقبال مسئولين علاقات بلادهم مع مصر متوترة؟!
تقديرى أن إثيوبيا ستواصل اللعب على شماعة المؤامرة المصرية، لتهرب من التوافق على معايير بناء سد النهضة أولا، ولتبرر ثانيا أمام شعبها سبب الاضطرابات العرقية المستمرة والتى دعتها إلى إعلان حالة الطوارئ.
وتقديرى أن أفضل قرار تتحذه مصر هو الاستمرار فى سياسة التهدئة مع إثيوبيا والتأكيد الدائم على إننا لا نتدخل فى الشئون الداخلية لهم، وإن كل ما يشغلنا هو استمرار تدفق حصتنا التاريخية من مياه النيل، التى لم تعد تكفى نحو ١٠٠ مليون مصرى.
فى الفترة المقبلة، علينا أن نتنبه ونتوقع أن بعض الدول والقوى الإقليمية والدولية، التى تختلف معنا على هذا الملف أو ذاك، سوف تسعى لتأليب إثيوبيا ضدنا. والمثير للدهشة والامتعاض أن بعض الدين يحرضون إثيوبيا الآن ضدنا اليوم، كان يلوم على مصر قبل شهور أنها لا تتحرك بما فيه الكفاية للضغط على إثيوبيا حفاظا على حقوقنا من المياه. وذلك أعلى درجات النفاق والانتهازية، لكن تلك هى السياسة للأسف.