كان فيه واحد صعيدى
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 26 فبراير 2021 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
كان فيه صعيدى عالم وزاهد كتب مئات الكتب الرائعة، كان إماما فى الدين والحياة والتصوف والطاعة مع العلم الموسوعى اسمه «الإمام السيوطى».
خرّج الصعيد أعظم عالم قراءات يدين له المغرب العربى كله ويقرأ القرآن بروايته إنه «عثمان بن سعيد» الملقب بورش شيخ المقارئ المصرية.
كان فيه صعيدى علم مصر كلها وقاد بعثاتها الأولى للخارج وقاد الكلية الحربية فى بدايتها، وأنشأ ديوان الترجمة وترجم أول دستور، وصنع كل شىء جميل لمصر ورأس أول جريدة مصرية «الوقائع» إنه رفاعة الطهطاوى شريك محمد على فى نهضة مصر عامة والعلمية خاصة.
مرة كان فيه واحد صعيدى هزّ العالم كله بأدبه وعلمه وكان ملايين العرب ينتظرون كتاباته التى سبقت عصره، حارب فى كل اتجاه دفاعا عن الدين والوطن، واجه الاستبداد والشيوعية والنازية والاستعمار، رماهم جميعا عن قوس واحدة، سماه البعض «محامى العباقرة» فهو مؤلف العبقريات وله قرابة 120 كتابا خالدا، ولم تأت مصر بعبقرى مثله ينافح عن العباقرة، فقد كان يعيش بوجدانه كله حياة من يكتب عنه، إنه عباس محمود العقاد.
مرة كان فيه واحد صعيدى اسمه حافظ إبراهيم «شاعر النيل» لأنه ولد على مركب فيه شاعر الوطنية الأول فى مصر، كانت قصائده تحفظها الأجيال فى اليوم الثانى لإلقائها، وبعضها مخلد فى ذاكرة التاريخ.
كان فيه واحد صعيدى اسمه الشيخ المراغى أقوى المجددين للأزهر وقدوتهم، أعاد للأزهر هيبته وحيويته وأمجاده حتى أطلق عليه «إمام الدين والدنيا»، لم يخش الملك ولا الإنجليز، وراقب الله وحده.
كان فيه مرة واحد صعيدى بهر العالم كلها بخشوعه فى قراءته للقرآن، حتى قيل: من أراد أن يستمع لجلال القرآن فليستمع للمنشاوى، أعظم من رتل القرآن لخشوعه وعذوبة صوته وإجادته المقامات وخاصة «النهاوند» الذى أبهر المستمعين حتى سُمى «الصوت الباكى»، لم يصل لمكانته قارئ حتى اليوم.
كان فيه واحد صعيدى باع كل أرضه ليذهب داعية إلى اليابان، أسلم على يديه آلاف اليابانيين بداية من 1906 حتى كاد الامبراطور نفسه أن يسلم على يدى هذا الشاب الصعيدى الذى أطلق عليه «سفير الإسلام فى اليابان» وهو الأزهرى العبقرى «على الجرجاوى» الذى أسس أول جمعية للدعوة الإسلامية فى اليابان مع ثلاثة مسلمين آخرين هم الروسى مخلص محمود، والهندى حسن عبدالمنعم والصينى سليمان.
كان فيه واحد صعيدى سافر للنضال ضد الاستعمار الإنجليزى والفرنسى والصهيونى فى كل مكان حتى أطلق عليه «جيفارا العرب» وهو عبدالرحمن عزام الذى استحق أن يكون أول أمين للجامعة العربية.
كان فيه واحد صعيدى تربع على قمة الصحافة وكان نظيفا ومؤثرا وهو أحمد بهاء الدين، كان فيه صعيدى يهتز لصوته منبر الأزهر وهو إسماعيل العدوى حتى عرف بأنه أفضل وأقوى من خطب عليه.
صعيدى أصيل صاحب «الحنجرة الذهبية» هز صوته قلوب العالم الإسلامى كله وما زالت إيران وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وكل آسيا يقلدون صوته وقرأ فى العالم كله.
كان فيه واحد صعيدى طيب وصالح وعالم كتب للأطفال مئات القصص بعضها درس لنا ونحن صغار حتى صار رائدا لأدب الأطفال يعرفه الجميع إنه «عبدالتواب يوسف» وسار على دربه الصعيدى النابغة يعقوب الشارونى.
أما شيوخ الإسلام من الصعيد فهم كثر مثل المراغى، وحسانين النواوى، ومصطفى عبدالرازق، وعبدالرحمن تاج، وسيد طنطاوى وختامهم المسك الطيب الذى ملأ الدنيا علما وزهدا، والوحيد فى تاريخ المشيخة الذى لا يتقاضى أجرا منذ اعتلائه سدة المشيخة.
كان فيه واحد صعيدى فذ اعتبر رائدا للوحدة الوطنية، كان محاميا وخطيبا ووطنيا بارعا تدرس مرافعاته، يستشهد بالآيات وأحاديث النبى محمد، كانوا يعتبرونه ابنا لسعد زغلول، إنه«مكرم عبيد» الذى أسس أسرته كلها على هذا النمط الجميل.
كان فيه صعيدى اسمه البابا شنودة الثالث كان كاتبا وشاعرا وأديبا وكان يستدل بآيات القرآن وأحاديث الرسول، وكان وطنيا وعروبيا يكره الاستعمار والصهيونية ومحبا للوحدة الوطنية.
ومن أئمة الإنشاد فى الصعيد الفشنى والتهامى، ومن الصعيد الأعمى الذى رأى كل شىء كما يقولون عنه د/طه حسين، كما أخرج الصعيد عملاق وزعيم المعارضة ممتاز نصار، وعميد التربويين د/عبدالعزيز القوصى.
ومن الشعراء أمل دنقل والأبنودى ومحمود حسن إسماعيل فضلا عن شاعر البادية محمد عبدالمطلب، ورائد شعراء العروبة خالد الجرنوسى.
كان فيه واحد صعيدى من أبطال حرب أكتوبر قاد الكتيبة 16 فى معركة المزرعة الصينية وهزم الإسرائيليين وكبّدهم خسائر فادحة وأصبح وزيرا لدفاع مصر لسنوات طويلة ضربت الرقم القياسى وقاد مصر فى أصعب المواقف بعد ثورة يناير وأجرى أنزه انتخابات فى تاريخها وأدارها بحكمة وزهد اسمه المشير حسين طنطاوى.
كان فيه واحد صعيدى وطنى قاد مخابرات مصر لسنوات طويلة اسمه اللواء/عمر سليمان.
كان فيه واحد صعيدى اسمه العقيد/إبراهيم عبدالتواب حاصر الإسرائيليون كتيبته أثناء الثغرة وأصلوها قصفا بالمدفعية والطيران عدة أشهر فرفض الاستسلام وصنع أسطورة عصية على النسيان فى «ملحمة كبريت».
هذا فضلا عن عشرات العسكريين العظام الذين تخرجوا من الصعيد مثل الفريق كمال حسن على، محمد الفاتح كريم، ومراد سيد، وغيرهم.
كان فيه واحد صعيدى صالح وزاهد حياته بسيطة يعيش على الجبن والخبز فى غرفة خشبية بسيطة بالأزهر فى رواق المغاربة خمسين عاما ومريدوه يعرضون عليه السكن فى الشقق الفاخرة فيرفض، يوزع الهدايا التى ترسل إليه على الفقراء من تلاميذه ومريديه، جمع بين الشريعة والحقيقة، والعلم بالله وبأمر الله إنه الشيخ «صالح الجعفرى».
كان فيه واحد صعيدى أصبح أعظم مفتى فى تاريخ مصر اسمه «الشيخ حسانين مخلوف» وهو أعظم من جلس للإفتاء بعد أبى حنيفة والشافعى والليث بن سعد كما قال البعض، وابن أخته هو أعظم عالم وسطى «جامع الحضارتين الإسلامية والغريبة» ومن أعظم خريجى هارفارد أستاذ الأجيال د/أحمد كمال أبو المجد، وكلاهما جمع بين العلم والخلق الكريم.
كان فيه واحد صعيدى قبطى مؤرخ للصحافة الورقية وهو حلقة وصل بين عدة أجيال من أدباء وصحفيى العالم العربى وكان المرجع الأول فى الأدب المهجرى إنه «وديع فلسطين» ويُسمى «شاهدا على عصره».
وهل ننسى ذلك الصعيدى الشهم جمال عبدالناصر الذى قاد مع رفاقه ثورة يوليه وأنجز لمصر إنجازات كبيرة وكان وطنيا عفّ اليد وإماما للتحرر الوطنى والوحدة العربية، والذى حاول إعادة أمجاد محمد على لولا تكالب إسرائيل والغرب عليه.
هذه نماذج عريقة من علماء وأدباء وأبطال وشجعان من الصعيد، أفرزتهم هذه البيئة الصلبة والصعبة فزادتهم صلابة وشهامة وعلما وعطاءً، فمن يأتينى بمثلهم.