الصناعة النفطية فى ظل التطورات الجيوسياسية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 26 فبراير 2025 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

تدل الملامح الجيوسياسية على متغيرات جذرية فى السياسة الدولية تختلف عما كان سائدًا عند نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن المتوقع أن تترك الملامح الجيوسياسية الجديدة هذه بصماتها على الصناعة البترولية.
هناك ملامح جديدة عدة يمكن تحديدها، من المحتمل جدًا أن تتزايد وتتغير مع نهاية عام 2025. فهناك الاختلاف الواسع ما بين الولايات المتحدة وأوروبا حول سياسات عدة، منها: الخلافات حول «القيم» - كما عبَّر عنها نائب الرئيس الأمريكى جى دى فانس فى خطبه الأخيرة فى أوروبا، بالذات «الديمقراطية» التى شكَّلت القاسم المشترك ما بين دول الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، التى ادَّعى نائب الرئيس فانس غيابها فى أوروبا حاليًا.
ثانيًا: إعادة النظر فى العلاقات الأمريكية - الروسية. الحرب الجمركية التى يشنّها الرئيس ترامب على الصعيد العالمى. التهديدات الأمريكية لضم كندا وجرينلاند، وغزة. المحاولات الأمريكية لكبح تصاعد نفوذ الصين الاقتصادى والعلمى عالميًا لتحتل المركز الأول. التساؤلات التى بدأت تتداول حول مستقبل العلاقات الصينية - الروسية فى ظل المتغيرات الدولية أعلاه.
من المتوقع أن تكون الضحية الأولى لهذه المتغيرات الجيوسياسية السياسات المناخية والبيئية الناتجة من اتفاقية باريس 2015 لمكافحة تغير المناخ (مؤتمرات كوب)، حيث بادرت الأقطار الأوروبية إلى تبنى الطاقات المستدامة على حساب الطاقة الهيدروكربونية، مقابل سياسات الرئيس ترامب فى الانسحاب من اتفاقية باريس 2015 أثناء عهده الرئاسى الأول ومحاولة تهميشه دور الطاقات المستدامة حاليًا.
وهناك احتمال نشوب منافسة شديدة بين روسيا والولايات المتحدة لتصدير الغاز إلى أوروبا.
لقد هيمنت الصادرات الغازية الروسية من حقول غرب سيبريا على الأسواق الأوروبية خلال العقود الثلاثة الماضية إثر الاتفاقيات الغازية الطويلة المدى التى وقعت بين الاتحاد السوفييتى سابقًا والأقطار الأوروبية، بحيث شكلت الصادرات الغازية الروسية نحو 35 فى المائة من إمدادات الغاز لأوروبا فى عام 2021، قبيل الغزو الروسى. عارضت الولايات المتحدة بشدة وباستمرار هذه الاتفاقيات منذ عقد الثمانينيات. لكنها واجهت إصرارًا أوروبيًا فى زيادة الاعتماد على الغاز. لم تكن هناك وسيلة لواشنطن لمنافسة أوروبا فى حينه، إلا أن الصورة بدأت تتغير منذ منتصف العقد الماضى، مع الاكتشافات الضخمة لحقول الغاز الصخرى، التى زودت الولايات المتحدة بالإمكانية لتلبية الطلب الداخلى للغاز بالإضافة إلى تصديره.
لكن التصدير الأمريكى تطلب تشييد المصانع، والموانى، والناقلات لتصدير الغاز المسال، التى أصبحت جاهزة تقريبًا للولايات المتحدة، مع التخطيط من قِبل شركات الغاز المسال الأمريكية، على تشييد منشآت وموانئ إضافية، لتلبية احتمال زيادة الطلب.
ستجد أوروبا نفسها مستقبلًا فى موقف لا تُحسد عليه، بين إمكانية الاستيراد من واشنطن وموسكو، حيث الإمدادات متوافرة، لكن الأسعار مختلفة. إذ إن أسعار الغاز المسال أعلى من أسعار الغاز المصدر عبر الأنابيب. وطبعًا، هناك العلاقات الجيوسياسية المستقبلية مع الطرفين.
وعلى رغم إمكانية تحول السياسة الأمريكية تجاه أوروبا بإدارة رئيس جمهورية منتخب آخر، يتوقع استمرار اهتمام الولايات المتحدة بالسوق الغازية الأوروبية، والعكس صحيح. فالسوق اقتصاديًا ضخمة. من ثم، يُتوقَّع تنافس قوى بين الشركات الأمريكية والروسية. كما يُتوقَّع قرارات صعبة سيتوجب على الأقطار الأوروبية اتخاذها. وسوق الغاز، كما هو معروف، لا تتوفر فيها المرونة الموجودة نفسها فى سوق النفط الخام.
يشكل قطاع تصدير الغاز بين الدولتين الكبيرتين مجالات جديدة للمنافسة: تبلغ عادة أسعار الغاز المسال أكثر تكلفة وسعرًا للغاز الطبيعى المصدر عبر الأنابيب. وبالذات فى الوقت الذى شيدت روسيا فيه الغالبية العظمى من أنابيبها لأوروبا منذ عقد الثمانينات. فسيبقى هناك السؤال مستقبلًا عند إطار السوق الأوروبية المشتركة: هل ستستمر مقاطعة الغاز المسال الروسى رغم منافسته السعرية مع الغاز الأمريكى؟ والمهم أيضًا فى هذا المجال، هل ستعود أوروبا لاستيراد الغاز الروسى بعد مقاطعته أثناء حرب أوكرانيا، أم ستغض النظر عن ذلك وتستورد الغاز المسال الأمريكى الأغلى سعرًا، ورغم توتر العلاقات الأوروبية - الأمريكية مؤخرًا.
وإلى جانب العوامل الجيوستراتيجية التى تصدرت الأحداث الدولية خلال الشهر الأول من رئاسة ترامب، هناك أيضًا المؤشرات التالية: الاحتمالات العالية لهيمنة الأحزاب اليمينية على السياسات الأوروبية.
وهذه الأحزاب تتبنى مواقف قريبة من سياسات الرئيس ترامب. ففى مجال الطاقة، الهدف المشترك وضع سقف لاستعمال الطاقات المستدامة، لأسباب مختلفة بين الطرفين. فهدف ترامب هو «أمريكا أولًا» أو الدفاع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية. أما هدف الأحزاب الأوروبية فهو مساندة المزارعين ضد المستوردات الزراعية من دول أمريكا اللاتينية أو غيرها التى لا تنفّذ المعايير التى تفرضها السوق الأوروبية على مزارعيها.

وليد خدورى

خبير اقتصادى من العراق
جريدة الشرق الأوسط اللندنية

النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved