الاستقطاب يمهد الطريق أمام الشعبوية فى تركيا
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 26 مارس 2018 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة «The German Marshall Fund of the United States» مقالا للكاتب « Ozgur Unluhisarcikli»، يتناول فيه قضية الاستقطاب فى المجتمع التركى والانشقاقات الاجتماعية، ودور هذا الاستقطاب فى تقويض فرص الوصول إلى الديمقراطية التعددية وتحقيق التماسك الاجتماعى بين أطياف المجتمع المختلفة، فضلا عن دوره فى تمهيد الطريق للوصول إلى الشعبوية والتى لا تعتبر سمة فريدة فى النظام التركى ولكنها موجودة ــ على سبيل المثال ــ فى أمريكا الترامبوية، وفى اليابان «آبى» والهند «مودى» والمجر «أوربان» وغيرها من الدول.
يبدأ الكاتب حديثه عن الاستقطاب الموجود على نطاق واسع فى تركيا والذى لا يؤدى فقط إلى الانحراف بعيدا عن طريق الديموقراطية التعددية، بل إنه يمهد الطريق لانتشار سياسات الشعبوية والأغلبية، فضلا عن استخدام الدعاية للتلاعب من قبل أعداء الدولة الذين يستخدمون تقنيات الحرب الهجينة لإبعاد تركيا عن الغرب.
جدير بالذكر الإشارة إلى أنه لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول تحديد مفهوم معين لـ«الشعبوية»،
ولكن هذا المفهوم انتشر أخيرا بشكل كبير عند الحديث عن الانتخابات أو غيره من الموضوعات السياسية، ويتحدث البعض عنها باعتبارها مصطلحا يستخدم للتنديد أكثر منه للتوضيح وأنها قد تحل محل مفردات أخرى مثل «القومية»، «كراهية الآخر»، «الشوفينية».. إلخ. ويعرفها الباحث الأمريكى «مارك فلورباى» بأنها «البحث من قبل سياسيين يحظون بكاريزما عن دعم شعبى مباشر فى خطاب عام يتحدى المؤسسات التقليدية الديموقراطية».
واليوم، يعيش المواطنون الأتراك على نحو متزايد فى ما يمكننا أن نسميه بـ«غرف الصدى» حيث يتم التضخيم من رؤيتهم ووجهات نظرهم، وإهمال الرأى الآخر المعارض لهم على اعتبار أنه غير موجود بالأساس. ويؤدى ذلك إلى تأثر المواطنين بعد ذلك بما يمكن أن نطلق عليه «دوامة الصمت» أى إنهم يمتنعون عن مناقشة القضايا الحساسة والمهمة فى البيئات التى يوجد فيها أشخاص لديهم وجهة نظر مختلفة، بمعنى أنهم يقتصرون على الحديث مع من يتفق معهم فى الرأى عند مناقشة مثل هذه القضايا المهمة.
أخيرا قامت جامعة «أسطنبول بيلجى التركية» بعمل استطلاع رأى بالتعاون مع مؤسسة GMF’s Black Sea Trust for Regional» Cooperation»، والذى أظهرت نتائجه أبعاد الاستقطاب فى تركيا باعتباره عائقا أمام تحقيق التكامل والتماسك الاجتماعى، بالإضافة إلى الكشف عن نظرة الأتراك إلى أنفسهم باعتبارهم متفوقين على من يخالفهم الرأى أو على «الآخر» بشكل عام، وأظهر الأفراد الذين خضعوا لهذا الاستطلاع عدم استعدادهم للتعاون والتفاعل الاجتماعى مع الآخرين المختلفين معهم سياسيا، وقاموا بنعتهم بصفات سلبية، وأوضحوا أنهم لا يجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق السياسية، وأن يتم تقييد هذه الحقوق، علاوة على ذلك، أوضح الاستطلاع أن أبعاد هذا الاستقطاب مترابطة مع بعضها البعض فى السياق التركى.
***
هذا الاستقطاب ليس سمة فريدة أو قاصرة على النظام التركى. نجد على سبيل المثال لا الحصر «فيكتور أوربان» فى المجر، و«فلاديمير بوتين» فى روسيا، و«ناريندرا مودى» فى الهند، و«شينزو آبى» فى اليابان، و«دونالد ترامب» فى الولايات المتحدة الأمريكية يستغلون على نطاق واسع الانشقاقات والاختلافات الاجتماعية فى المجتمع، بالإضافة إلى استخدامهم «لغة سياسية» تعتمد على أسلوب «كبش الفداء» و«التبرير»، و«التمييز»، واستخدام لفظ «الآخرين». وبالمثل، فإن الاستقطاب فى تركيا ليس سمة حديثة تميز هذه الفترة الزمنية الحالية. حيث يمكننا القول إن جذور الاستقطاب فى تركيا تعود إلى تأسيس الجمهورية فى عام 1923 ــ والتى أدت إلى التغريب، بل قد تعود إلى أول محاولات التغريب فى الإمبراطورية العثمانية فى أواخر القرن السابع عشر. واليوم أصبح الاستقطاب يشكل تهديدا كبيرا للتماسك الاجتماعى والديموقراطية التعددية والأمن القومى فى تركيا.
إن التماسك الاجتماعى مهم جدا لتعزيز الثقة وخلق مجتمع شامل يتيح للجميع فرص صعود متساوية، وأن يشعر كل الأفراد فى المجتمع بالانتماء رغم اختلافاتهم. وبصفته وريثا لإمبراطورية متعددة الجنسيات سقطت، يشكل المجتمع التركى المتنوع تحديا للتماسك والتكامل الاجتماعى. وهذا الاستقطاب يزيد بدوره من صعوبة بناء الجسور فى المجتمع التركى وإحداث الترابط بين الفئات المختلفة.
ويضيف الكاتب أن الاستقطاب أيضا يقوض من فرص الوصول إلى الديموقراطية التعددية ويمهد الطريق لسياسات الشعبوية والأغلبية. وأظهر استطلاع الرأى أن الأفراد فى المجتمع التركى يعيشون فى «غرف الصدى» حيث يتم تضخيم وجهات النظر المؤيدة، ويتم التضييق على جميع الأصوات الأخرى المعارضة. وأوضح معظم المشاركين فى الاستطلاع أنهم يناقشون القضايا الحساسة المهمة فقط مع أفراد العائلة والأصدقاء المقربين وليس مع الآخرين (المختلفين عنهم)؛ وأنهم عادة ما يتفقون فى الرأى مع أفراد الأسرة والأصدقاء فى القضايا السياسية. وفى مثل هذه البيئة، يمكن للسياسيين أن يقوموا باستقطاب جزء كبير من الناخبين ــ الذين لا يرغبون فى التفاعل مع الآخرين المختلفين ــ وضمهم لصفوفهم والسيطرة عليهم، حيث يشعرون بأنهم متفوقون على الآخرين ومن ثم لا يقبلون التفاعل معهم، بل يقبلوا بانتهاك حقوقهم السياسية، وكل هذا بدوره يمهد الطريق للشعبوية والأغلبية. وهذا ما يحدث اليوم فى تركيا.
***
يذكر الكاتب أنه فى السياق التركى على وجه الخصوص، يشكل الاستقطاب تهديدا ليس فقط للتماسك الاجتماعى والديموقراطية التعددية، ولكن أيضا للأمن القومى التركى. فنجد أنه: أولا، الاستقطاب يجعل من الصعب جدا حل الصراعات العنيفة بالوسائل السلمية. وكان هذا أحد التحديات الرئيسية التى واجهتها الحكومة التركية خلال عملية السلام الكردية فى 2013ــ2015. ثانيا، يخلق الاستقطاب فرصة للمنظمات الإرهابية تقوم باستغلالها ووضع استراتيجياتها وفقا لها. فنجد أن حزب العمال الكردستانى خطط لهجماته الإرهابية بالاستفادة من الخلافات القائمة بين الأتراك والأكراد والعمل على تعميق تلك الانقسامات. وعلى نحو مماثل، حددت الدولة الإسلامية أهدافا لها فى تركيا مستفيدة من الخلافات بين المحافظين والعلمانيين والأتراك والأكراد.
وجدير بالذكر أن المجتمع التركى غير منقسم حول كل القضايا. 87 فى المائة ممن شاركوا فى استطلاع الرأى يعتقدون أن «الدول الأوروبية تريد تفكيك تركيا كما فككت الإمبراطورية العثمانية قبل ذلك»، و 54 فى المائة يعتقدون أن الولايات المتحدة هى أكبر تهديد أمنى لتركيا. فى حين أن ذلك يمثل استثناءات على الاستقطاب الموجود فى تركيا، إلا أنها تمثل فرصا يمكن لخصوم تركيا استغلالها للوقيعة بين تركيا وحلفائها الغربيين.
ويختتم الكاتب بالقول إن الاستقطاب فى تركيا واسع الانتشار وعميق الجذور، وهى مشكلة خطيرة لن تختفى من تلقاء نفسها. ولا يمكن التخفيف من حدة ذلك أو حل المشكلة إلا إذا تم الاعتراف به على أنه عائق أمام الديموقراطية التركية، بدلا من استغلاله كفرصة لصف مؤيديهم والتضييق على معارضيهم وتحقيق مصالحهم على المدى القصير. عندئذ فقط يمكن أن نتوقع أن تقوم وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدنى ببناء الجسور وتحقيق التماسك والتفاعل المجتمعى وبناء رأس المال الاجتماعى. وعندئذ فقط يمكن لتركيا أن تعيش فى سلام مع نفسها ومع العالم.
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى
https://bit.ly/2GqYwvQ