«البيئة ــ المناخ» فى مرحلة تباطؤ «تحول الطاقة»

قضايا اقتصادية
قضايا اقتصادية

آخر تحديث: الأربعاء 26 مارس 2025 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

واجهت مسيرة «تحول الطاقة»، صعوبات عدة منذ يومها الأول، بدءا بضرورة الحصول على البراهين العلمية الدقيقة للتأكد أن الطاقات الهيدروكربونية هى المسئولة الأولى والأخيرة عن التلوث البيئى والمناخى العالمى. ثم واجهت تخلف التزامات الدول الصناعية فى دعم الدول النامية لبرامجها البيئية. والآن، برزت حملة الحروب الجمركية العالمية، التى ستزيد الالتزامات المالية تعقيدا، حيث من المرجح أن تؤدى إلى تقليص المخصصات لصناعات الطاقات المستدامة. نظرا لارتفاع معدلات التضخم، فالتكلفة العالية للصناعات الجديدة.
بعد سنوات من الأبحاث العلمية، توصلت مجموعات من العلماء إلى أن «الوقود الأحفورى» (النفط الخام، والغاز الطبيعى، والفحم الحجرى) هو السبب الرئيس للتلوث والتدهور البيئى والمناخي. لكن بقى السؤال: أى نوع من أنواع الوقود الأحفورى الثلاث، هو المسئول أكثر عن التلوث؟ والمعروف أن الفحم الحجرى الذى بدأ استعماله بكثرة وازدياد منذ انطلاق الثورة الصناعية فى أوروبا فى منتصف القرن الثامن عشر، كان وقودا ملوثا. وقررت بريطانيا إيقاف استعماله فى النصف الثانى من القرن العشرين قبل اتفاقية باريس 2015 ومؤتمرات «كوب». وقد تبعتها لاحقا ألمانيا ثم بولندا فى تقليص حرق الفحم بعد فترة قصيرة.
إلا أن الصين والولايات المتحدة والهند تستمر حتى يومنا هذا فى حرق الفحم لتوليد الكهرباء وكذلك توليد الطاقة فى بعض المصانع، إلى حين الانتقال للاعتماد على مصادر طاقة أقل تلوثا. وفعليا، استمرت الولايات المتحدة حتى وقت قريب فى الاعتماد على حرق الفحم لتوليد ثلث طاقتها الكهربائية.
من اللافت للنظر، أنه طوال الحملة العالمية على الهيدروكربونات لم نسمع نفس حدة الانتقادات والمساوئ البيئية للفحم الحجرى، كما للنفط. فقد كانت الحملة مركزة على «شيطنة» النفط دون غيره من الوقود، وخير مثال على ذلك هو «التلقين» الذى نشطت فيه الحملات فى الدول الصناعية، الولايات المتحدة وأوروبا، فى زرع الخوف من النفط بالذات، بحيث أصبح تعبير النفط وصناعته مستنكرا عند الرأى العام، إذ اعتبروه المسئول الرئيس عن التلوث، دون النظر بإمعان فى عوامل أخرى قد تؤدى إلى تقليص التلوث منه، كتحديث وسائل النقل وطرق التدفئة والتبريد وترشيد الاستهلاك وأهمية صناعة إدارة الكربون.
لقد مارست بعض الدول الصناعية المنتجة للنفط عملية «تحايل» بحيث تبنت مواقف لتقليص استكشاف النفط فى مؤتمرات «كوب»، لكن فى نفس الوقت الاستمرار بعمليات الاكتشاف النفطى لاستخدام نفط مكتشف حديثا لاستهلاكه بعد عام 2050.
فقد طرحت السلطات البريطانية نحو 100 بلوك بحرى فى بداية الألفية تقريبا للاستكشافات. وشجعت الولايات المتحدة الاستكشاف والإنتاج للنفط الصخرى، مما أدى إلى ارتفاع سريع وضخم للاحتياطات النفطية الأمريكية بحلول عام 2014. وأبدت النرويج استعدادها لزيادة إنتاج حقولها النفطية والغازية البحرية بعد مقاطعة الأقطار الأوروبية للنفط الروسى إثر نشوب حرب أوكرانيا، وفى حال توقيع الدول الأوروبية عقود شراء على مدى عقدين أو ثلاثة عقود مع النرويج، بالذات للغاز الطبيعي. والدول الثلاث هذه لعبت دوراً أساسياً فى مؤتمرات «كوب» لتقليص استهلاك النفط، لكن غضت النظر عن هذا وزادت احتياطياتها وإنتاجها فى أول فرصة ممكنة ومتوافرة لها.
أدى الاضطراب فى أسواق الغاز العالمية عند بداية هذا العقد إلى التأثير السلبى على إمدادات وأسعار الغاز، بالذات فى أوروبا، الأمر الذى أدى بدوره إلى شح فى إمدادات الغاز لأوروبا.
كما أدت التجربة الضخمة الأولى لاستعمال طاقتى الرياح والشمسية فى الدول الصناعية إلى تجربة صعبة متمثلة بعدم كفاية الطاقة المنتجة لتلبية الطلب خلال فصل الشتاء القارس فى نصف الكرة الشمالى، مما اضطر الدول الاستعانة بالإمدادات النفطية، بالإضافة إلى الطاقات المستدامة للحصول على الطاقة اللازمة فى فصول الشتاء. هذا الأمر أدى بالذات إلى التفكير فى ضرورة التوصل إلى سلة طاقة مشتركة، لربما لا يشكل النفط النسبة العالية فيها، كما هى الآن، نحو 85 فى المائة، لكن يتوقع أن تبقى نسبته عالية فى «السلة المشتركة» مستقبلاً.
هذا الاختلال فى أداء الطاقات المستدامة، والتكاليف الباهظة لها، دفعا إلى ضرورة التفكير فى سلة الطاقة المشتركة، تحديدا بعدما تبين للصناعة والشركات المتخصصة التكاليف الباهظة الثمن لبعض البدائل التى انصب الاهتمام بها، كالهيدروجين. ورغم أن موعد تصفير الانبعاثات لا يزال عقدين ونصف عقد من الآن، فإن الملاحظ أن سرعة زيادة استهلاك بعض سلع الطاقات المستدامة بطيئة نسبيًا. فقد حققت مبيعات السيارات الكهربائية خلال عام 2024 نحو 10.4 مليون سيارة، وهى نسبة ضئيلة جدا من مجمل عدد السيارات والمركبات العالمية فى الطرقات. هذا بالإضافة إلى أن غالبية مبيعات السيارات الكهربائية مؤخرا هى فى الصين.
تواجه صناعات الطاقات المستدامة مخاطر حقيقية وأصعب بكثير مما واجهته لحد الآن، بسبب نشوب الحروب الجمركية العالمية، بالذات على الصين. فهذه الحروب ستزيد من أسعار الطاقات المستدامة، بالذات لأن الصين هى الدولة المنتجة الكبرى لهذه السلع، وتكمن أسواقها التصديرية المهمة فى الولايات المتحدة والأقطار الأوروبية.
من ثم، فإن المعركة الجمركية الحالية ستؤدى فى حال استمرارها، بل تصاعد ضرائبها، إلى تأخير مسيرة «تحول الطاقة» ومن ثم الإصلاحات البيئية والمناخية المطلوبة، إما بسبب الحروب الجمركية، أو إعطاء أولوية الاستثمارات للتسلح والحروب. فهناك تخوف كبير فى أوروبا من مخاطر حرب مستقبلية مع روسيا فى حال سحب واشنطن غطاءها العسكرى لأوروبا، ومن ثم وجوب تغيير الأولويات فى الموازنات السنوية الأوروبية إلى التسلح دون بقية الصناعات.

وليد خدورى
خبير اقتصادى من العراق
الشرق الأوسط اللندنية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved