شياطين الإنس والجن
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الجمعة 27 أبريل 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
مستقبل الحياة السياسية فى مصر خلال السنوات المقبلة، لن يكون فى يد السياسيين، ولا فى يد المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم فى انتخابات البرلمان، أو الذين سيدلون بها فى انتخابات الرئاسة المقبلة إذا تمت.
هذا المستقبل فى يد الله بالطبع، ثم فى يد القضاة.
عندما يكون البرلمان والرئاسة مهددين بالطعن، وسيف المحكمة الدستورية مشرعا عليهما فمن حقنا أن نقلق.
الطبيعى أن انتخاب أعضاء البرلمان أو الرئيس أو أى منصب تنفيذى يكون فى يد الناخبين فقط، ومن يحصل على أعلى الأصوات يفوز بالمنصب، لكن أن يحصل حزب على الأغلبية اليوم ثم يفاجأ بأن قرارا قضائيا قد ألغى كل ذلك بجرة قلم، فالمؤكد أن هناك مشكلة.
المشكلة ليست فى القضاء أو القضاة، بل فى فشل الطبقة السياسية من أحزاب وقوى ومجتمع مدنى فى بلورة ضوابط وشروط وقواعد متفق عليها لإدارة العملية السياسية.
ولأننا نعانى من أحزاب وقوى سياسية تمارس السياسة بمنطق الهواة حينا والبلطجة حينا آخر، فقد انتهى بنا الأمر إلى أننا وبعد أقل من 15 شهرا على قيام ثورة ناصعة البياض للرجوع مرة أخرى إلى أيام حسنى مبارك كالحة السواد.
فى عصر مبارك الذى أدمن رفع شعار «استقرار القبور»، جمد تطور الحياة السياسية، وكان المتنفس الوحيد للسياسة هو قاعات ومنصات المحاكم وليس أروقة الأحزاب وصناديق الانتخاب.
فى عصر مبارك كانت لجنة حكومية هى التى تتحكم فى نشأة الأحزاب، وبالتالى فإن معظم أحزابنا الجادة منها والكرتونية خرجت من المحاكم وليس من لجنة صفوت الشريف.
فى بدايات حكم حسنى مبارك فى الثمانينيات حكمت المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخابات 1984 و1987، ومعظم القضايا الرئيسية الكبرى فى حياتنا السياسية حسمها القضاء وليست السياسة من الحرس الجامعى وتصدير الغاز لإسرائيل إلى أرض مدينتى، وقانون النقابات الشهير رقم 100، ثم إعادة شركات القطاع العام التى تم خصخصتها.
الآن نحن نعود إلى نفس الدائرة الجهنمية مرة أخرى، وهو ما يعنى أن الثورة تم استنزافها واستهلاكها فى وقت قياسى لم يكن يتخيله أحد.
كنت أتمنى مثل كثيرين أن يصدر قانون العزل السياسى على كل قادة النظام السابق فى وقت مبكر بعد الثورة مباشرة، حتى لا يصدر ضد شخص أو اثنين. ومادام لم يحدث ذلك، فإن كثيرين تمنوا أن يُسمح لأحمد شفيق بالترشح لسببين، الأول: أن يبرهن المصريون على انحيازهم للثورة عبر صناديق الانتخاب، كما حدث فى الانتخابات البرلمانية. والثانى: ألا ندخل فى متاهة الطعون، ومحاكم القضاء الإدارى، وتقارير المفوضين، ودهاليز المحكمة الدستورية العليا. والآن فإن المؤسف هو عودة شفيق من باب قضائى وليس سياسيا وهو ما يعنى أن الألغام فى طريق منصب الرئيس كثيرة ومتعددة.
القاضى يُفترض أنه يُصدر حكمه بناء على نصوص جامدة ومواد قانونية قد لا يدرى بها كثير من السياسيين الذين أصدروا القوانين، وبالتالى فلا يمكن استبعاد أن نصحو ذات صباح على صدور حكم يقول إن مجلس الشعب باطل بسبب نسبة الثلث والثلثين للفردى والقوائم، أو أن انتخابات الرئاسة باطلة بسبب أن قانون العزل دستورى، ومشاركة شفيق باطلة رغم حصانة المادة 28.
العبرة من كل الكلام السابق أن ينتبه السياسيون إلى أنهم عندما يفشلون فى الوصول إلى تفاهمات وتوافقات يتم ترجمتها إلى قوانين وقواعد يحتكم إليها الجميع، فإنها فى هذه اللحظة تفتح الباب ليس فقط لأحكام قضائية قد تكون مفاجئة، ولكن أمام شياطين الإنس والجن وما أكثرهم هذه الأيام... فهل أنتم منتبهون؟!!.