مستقبل القيادة الأمريكية لشبكات الجيل الخامس
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأربعاء 26 أبريل 2023 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة عرضا حول مستقبل شبكات الاتصال اللاسلكى، ومدى إمكانية وصولها إلى الحرية والابتكار بدلا من الاتجاه إلى مزيد من المراقبة والسيطرة. كما تناول بعض التوصيات لاستمرار الريادة الأمريكية فى مجال شبكات الجيل الخامس فى السوق العالمية التنافسية.. نعرض من المقال ما يلى.
يُعد الإنترنت مجالا حيويا للحكومات والمجتمعات فى القرن الحادى والعشرين، وقد عززت جائحة «كوفيد 19» هذا التصور، حيث أصبح الاتصال عن بُعد مكونا لا غنى عنه لمجتمع حديث فعَّال فى مجالات التجارة والتعليم والأنشطة الاجتماعية. لكن، يُلاحظ تزايد أنشطة الرقابة الاجتماعية والمعلوماتية من قبل بعض الأنظمة السلطوية (كالصين وروسيا) من أجل إحكام قبضتها على الموارد الطبيعية وسلاسل توريد التكنولوجيا والمعلومات. فى المقابل، تسعى الأنظمة الديمقراطية إلى تعزيز حوكمة الاتصالات السلكية واللاسلكية.
فى هذا السياق، يتساءل كليت جونسون، زميل أول فى برنامج التقنيات الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «CSIS» فى تقرير بعنوان «الضرورة الاستراتيجية للقيادة الأمريكية فى شبكات الجيل القادم» حول مستقبل شبكات الاتصال اللاسلكى، ومدى إمكانية وصولها إلى الحرية والابتكار بدلا من الاتجاه إلى مزيد من المراقبة والسيطرة. كما يناقش التقرير عددا من التوصيات ذات الصِلة، والمستمدة إلى حد كبير من التجارب الأمريكية والأوروبية المتباينة مع الجيلين الثالث والرابع من شبكات الاتصال: «3G» و«4G».
• • •
يفترض التقرير أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد ــ فى الوقت الحالى ــ مركز الابتكار الذى يعمل بتقنية «5G» حول العالم، حيث تمتلك واشنطن قاعدة من الطيف الترددى القائم والذى توفره البنية التحتية لشبكات «4G» و«5G» الأكثر انتشارا. وذلك نتيجة حرص صانعى السياسة الأمريكية على التمويل الهادف إلى سد الفجوة الرقمية، كالاستثمار فى الصناعات والتقنيات اللاسلكية من خلال الإطار التنظيمى الوطنى للاتصالات اللاسلكية. فسياسات السوق الحرة أسهمت فى حصول الولايات المتحدة على هذه الريادة، ولاسيما فى ظل المنافسة القوية بين شركات الاتصالات الأمريكية، والتى تتبنى مناهج متنوعة للاستفادة من بنى «5G».
ويحذر التقرير الولايات المتحدة من محاولات الصين لإتاحة المزيد من الطيف المرخص ونشر شبكات الجيل الخامس دون اعتبار للحقوق الفردية أو التجارية.
من ثم، فعلى الولايات المتحدة الاستفادة من القيم الديمقراطية للسوق الحرة، كالمنافسة العادلة والقوية وحرية الفكر والتعبير لتعزيز شبكات الجيل الخامس والجيل القادم. وكذلك، الاستفادة من هذه الشبكات لتعزيز القيم الديمقراطية. فمثلما استطاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها حماية ديمقراطيات السوق الناشئة فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، عليهم الحفاظ على ذات الالتزام بمبادئ ديناميكية السوق الحرة، والابتكار، والمنافسة العادلة، وحماية حقوق الإنسان فى البيئة التكنولوجية الحالية.
ويرى التقرير ضرورة الحفاظ على الإطار الوطنى الأمريكى القائم على الابتكار، والذى يُعد ــوفقا للتقريرــ الطريق إلى المستقبل الذى تسود فيه القيم الديمقراطية والسوق الحرة، حيث تستطيع الولايات المتحدة أن تنفذ نموذجا مقنعا لكيفية استغلال الإمكانات الكاملة لشبكات الجيل الخامس بطرق تعزز حقوق الإنسان والحريات الفردية والأسواق الحرة التنافسية والحكومات الديمقراطية التمثيلية.
وتُجدر الإشارة إلى أن التنافس مع الصين وروسيا وغيرها فى مجالات الابتكار التكنولوجى ومواجهة التحديات العالمية الرئيسية يعكس استمرار الولايات المتحدة، وليس تهديدها. إذ يدفع ذلك التنافس المبتكرين والشركاء فى الولايات المتحدة إلى إثبات قدراتهم والتفوق على أولئك الذين يسعون إلى تعزيز السلطوية من خلال الاستفادة من التقنيات والخدمات التكنولوجية.
وفى سياق متصل، وبالرغم من أن أوروبا استطاعت أن تقود شبكات «2G» حول العالم إلا أن مكانتها تراجعت إلى حدٍ كبير فيما يتعلق بشبكات «3G» و«4G»؛ بسبب المتطلبات التنظيمية المنقسمة والتى فرضت قيودا على التقنيات المتطورة بأوروبا. بالتالى، فاستمرار ريادة دولة ما فى أى جيل للشبكات اللاسلكية هو أمر غير حتمى. وبناءً عليه، بالرغم من قدرة الصين الحالية على نشر «5G»، إلا أنه ما تزال هناك فرصة أمام الولايات المتحدة وحلفائها لقيادة الجيل الخامس، عن طريق الاستفادة من تجارب تعثر أوروبا فى «3G» و«4G» وأوائل «5G».
• • •
الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لديها استثمارات فدرالية تاريخية هادفة إلى معالجة الفجوة الرقمية وتلبية احتياجات الاتصال للأمريكيين. ففى عام 2020، أنشأت لجنة الاتصالات الفدرالية «FCC» صندوق الفرص الرقمية الريفية بقيمة 20.4 مليار دولار لتحسين الاتصال ونوعية الحياة فى المجتمعات الريفية. كما تشرف اللجنة على البرنامج التجريبى للرعاية المتصلة، وهو عبارة عن إعانة قدرها 100 مليون دولار مستمدة من صندوق الخدمة الشاملة لتغطية تكاليف معدات الشبكة وخدمات المعلومات اللازمة لتوفير خدمات الرعاية الصحية المتصلة للمرضى. علاوة على ذلك، خصص الكونجرس أكثر من 65 مليار دولار لتمويل نشر البنية التحتية للنطاق العريض والوصول إليها.
وبلغ إجمالى الاستثمارات الخاصة فى صناعة الاتصالات اللاسلكية فى الولايات المتحدة أكثر من 130 مليار دولار على مدى السنوات الخمس الماضية. وفى عام 2020 فقط، استحوذت واشنطن على 18% من إجمالى الاستثمار اللاسلكى العالمى. بل وتُعد الولايات المتحدة أول دولة تنشر «5G» تجاريا على نطاق واسع بفضل سياسات السوق الحرة فى صناعة الاتصالات اللاسلكية. ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أن تأخذ هذه القيادة كأمر مسلم به.
• • •
حتى تتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على قيادة شبكات الجيل الخامس، يجب عليها الاستمرار فى دعم الابتكار القائم على السوق الحرة، والإطار التنظيمى والسياسات الداعمة للاستثمار؛ للتغلب على هياكل القيادة والسيطرة المقيدة للحكومات السلطوية.
لتحقيق هذه الغاية، توصى هذه الورقة بالحلول التالية: أولا، يجب على الولايات المتحدة تعزيز النشر السريع لشبكات الجيل الخامس من خلال الاستمرار فى توفير طيف النطاق المنخفض والمتوسط والعالى، وتعظيم تأثير قانون الاستثمار والوظائف فى البنية التحتية «IIJA». ثانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تمهد الطريق للابتكار المستقبلى عن طريق إعادة تأسيس لجنة الاتصالات الفيدرالية «FCC»، وتعزيز الاستخدام الفعال للطيف الترددى، ومواءمة أفضل الممارسات لنقل البيانات عبر الحدود، واستمرار الإنفاق الفيدرالى لدعم نشر شبكات الجيل الخامس.
ثالثا، أن تعمل الولايات المتحدة مع حلفائها لإثبات أن ديمقراطيات السوق الحرة التنافسية أفضل وسيلة لتعزيز تقنيات الاتصالات المبتكرة والموثوق بها عن طريق تعزيز الثقة فى شبكات الاتصالات وسلاسل التوريد، ودعم الشراكات مع الدول ذات التفكير المماثل، والعمل على وضع معايير دولية للابتكار التقنى فى القطاع الخاص علاوة على حماية حقوق الملكية الفكرية.
ومن أجل دمج القيم الديمقراطية فى نسيج تكنولوجيا الجيل القادم، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تكون فى طليعة تطوير هذه التكنولوجيا وتوفيرها، خاصة وأن الصين تركز على نشر المزيد من الطيف المرخص له وتنمية قطاع “5G”الخاص بها للتصدير. وكما استطاع الحلفاء حماية ديمقراطيات السوق بعد الحرب العالمية الثانية، يجب عليهم الآن تطبيق نفس الالتزام بمبادئ السوق الحرة، والابتكار، والمنافسة العادلة، وحماية حقوق الإنسان فى التكنولوجيا الحالية.
ونظرا لقدرة شبكات الجيل الخامس على مواجهة التحديات المعاصرة الرئيسية، من الضرورى أن تواصل الولايات المتحدة ريادتها فى هذا المجال فى السوق العالمية التنافسية. فبالفعل، تقود الولايات المتحدة حاليا الاقتصاد العالمى الناشئ »5G»، بفضل الاستثمار الخاص الضخم، والمنافسة القوية فى السوق الحرة، والإطار التنظيمى المرن المؤيد للابتكار. لكن فى المقابل، تسعى الصين إلى اللحاق بالولايات المتحدة. بالتالى، يجب على واشنطن تبنى الخطوات المقترحة لتعزيز النشر السريع لشبكات الجيل الخامس، وتمهيد الطريق للابتكار المستقبلى، وإثبات أن ديمقراطيات السوق الحرة تعزز تقنيات الاتصالات المبتكرة والموثوقة بشكل أفضل.
النص الأصلى