مأزق إسرائيل فى سوريا.. استرضاء موسكو أم واشنطن؟
العالم يفكر
آخر تحديث:
الخميس 26 مايو 2022 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا بتاريخ 24 مايو للكاتب سامى مبيض تناول فيها التوترات الأخيرة التى حدثت بين روسيا وإسرائيل فى أجواء مدينة مصياف السورية ردا على لقاء الأخيرة بمسئولين أمريكيين لبحث التطورات فى الحرب الأوكرانية.. نعرض منه ما يلى.
فى نهاية شهر أبريل 2022، وصل رئيس المكتب السياسي ــ الأمنى فى وزارة الدفاع الإسرائيلية، العميد درور شالوم، إلى قاعدة رامشتين الألمانية الجوية للقاء مسئولين أمريكيين لبحث آخر التطورات فى الحرب الأوكرانية. وقالوا إنهم يتفهمون العلاقة الحساسة التى تربط بلاده بروسيا، ولكنهم يتمنون عليه تقديم المزيد من الدعم العسكرى لأوكرانيا. وقد وصلت الرسالة نفسها خلال اجتماع عُقد يوم 26 أبريل الماضى فى واشنطن بين مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيك سوليفان، ونظيره الإسرائيلى، إيال هولاتا.
ولم تخف هذه الاجتماعات طبعا عن الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، الذى وجه رسالة استباقية إلى إسرائيل يوم 13 مايو 2022، عبر رد منظومة دفاعه الشهيرة «إس ــ 300» على عملية عسكرية إسرائيلية فى محيط مدينة مصياف السورية. وكانت هذه هى المرة الأولى منذ سبتمبر 2015؛ تاريخ دخول الجيش الروسى المعارك السورية، التى يتم فيها الرد على هجوم إسرائيلى بهذا الشكل المُعلن.
وكان الرد الروسى مدروسا ومحدودا، حيث لم يُوقع أضرارا مادية أو جسدية بين صفوف الإسرائيليين، وكان عبارة عن تهديد «ناعم» مُوجه إلى صانعى القرار فى تل أبيب بأن يفكروا مليا قبل الرضوخ للمطالب الأمريكية. وكان جزء من الرد الروسى مُوجها إلى المجتمع الدولى، لتذكير العالم بأن روسيا الاتحادية لا تزال فعالة وصاحبة قرار فى سوريا، على الرغم من انشغالها الكبير بحرب أوكرانيا.
• • •
فى بداية الحرب الأوكرانية، كان الموقف الإسرائيلى مُعتدلا، وأقرب إلى المحايد. فقد رفضت حكومة تل أبيب تقديم سلاح متطور لكييف، ومنه منظومة «القبة الحديدية» الشهيرة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف، كما حاولت التوسط بين الرئيس بوتين ونظيرة الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى. ولكن شيئا بدأ يتغير فى شهر أبريل الماضى، عندما وافقت إسرائيل على تقديم خوذات وسترات واقية من الرصاص لأوكرانيا، وأرسلت وزير الصحة، نيتسان هورويتز، إلى كييف لإنشاء مستشفى ميدانى، حيث هاجم روسيا واتهمها بارتكاب «جرائم حرب». واليوم تقول تل أبيب إن مزيدا من المساعدات فى طريقها إلى كييف، كما أن وتيرة التظاهرات المؤيدة لأوكرانيا قد اشتدت داخل المدن الإسرائيلية، وتم استقبال أكثر من 23 لاجئا أوكرانى، معظمهم من أصول يهودية..
وكانت الطامة الكبرى بالنسبة لإسرائيل قد جاءت على لسان وزير الخارجية الروسى، سيرغى لافروف، فى مطلع مايو الجارى، عند اتهامه الرئيس زيلينسكى بأنه «يهودى» و«نازى» فى الوقت ذاته، ما أثار موجه احتجاجات داخل إسرائيل. ولهذه الأسباب مُجتمعة، جاء التصعيد الأخير فى أجواء مدينة مصياف السورية، فاتحا المجال أمام الكثير من التكهنات حول مستقبل العلاقة الثنائية بين إسرائيل وروسيا، ومدى انعكاس ذلك على الأوضاع فى سوريا.
• • •
تُدرك إسرائيل جيدا أن الوقت غير مناسب لفتح جبهة جديدة على الساحتين الدولية والإقليمية، بعد التصعيد الأخير الذى شهدته الأراضى الفلسطينية فى القدس وجنين، وبعد تهديدات رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، يحيى السنوار، بإطلاق آلاف الصواريخ على مواقع إسرائيلية، يوم 30 أبريل 2022. فالأمور داخل فلسطين متجهة نحو مزيد من التصعيد، والدليل كان اغتيال ثلاثة عناصر من «الجهاد الإسلامى» فى جنين، واستقالة إحدى أبرز مستشارى رئيس الوزراء الإسرائيلى، نفتالى بينيت، احتجاجا على عدة أمور، منها دخوله فى مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين. وبالتالى فأولوية إسرائيل اليوم هى داخل الأراضى الفلسطينية، وليس فى أوكرانيا أو سوريا.
وفى المقابل، لا تريد روسيا أى تصعيد إضافى فى المنطقة ولا خسائر عسكرية وبشرية فى سوريا، فهى حكما لن تدخل فى مواجهة أوسع مع إسرائيل. ومن ثم، هناك قرار مشترك وغير مُعلن بالتهدئة على الرغم من كل الضغوطات الأمريكية. ولكن نفتالى بينيت بأشد الحاجة اليوم للحليف الأمريكى، خوفا من تنفيذ السنوار لتهديداته فى ظل اقتراب الوصول إلى اتفاق فى فيينا حول ملف إيران النووى، ما يُقلق تل أبيب كثيرا. ويبقى بوتين حليفا استراتيجيا بالنسبة لإسرائيل، ولكن تاريخه يؤكد أنه لن يقف مع تل أبيب ولن يدعمها سياسيا وعسكريا فى حال اندلاع «انتفاضة فلسطينية ثالثة»، كما أنه لن يستخدم حق النقض (الفيتو) لإجهاض أى قرار إدانة بحقها قد يُعرض أمام مجلس الأمن الدولى. كذلك يُدرك بينيت أيضا أن مصير الجنوب السورى يبقى خاضعا لمشيئة الرئيس بوتين، فهو المسئول عن تنفيذ قرارات العام 2018، التى وعدت إسرائيل بتأمين المنطقة الحدودية وإبعاد حزب الله عن الأراضى الإسرائيلية.
• • •
يدل تاريخ بوتين فى سوريا أنه يفى بالتزاماته تجاه حلفائه، إسرائيليين كانوا أم أتراكا أو عربا. ودعمه المُطلق لدمشق لم ينقطع منذ عام 2015، على عكس الأمريكيين الذين خذلوا حلفاءهم فى أفغانستان وسلموا هذا البلد لحركة طالبان فى صيف العام الماضى. ويعد تاريخ التخلى الأمريكى عن الحلفاء طويلا ومقلقا، فهو يعود إلى تخليهم عن شاه إيران محمد رضا بهلوى فى عام 1979، وعن الأنظمة الحليفة لهم فى بعض الدول العربية بعد اندلاع ثورات فيها منذ عام 2011. كما هدد الأمريكيون مرارا بتخليهم عن الأكراد السوريين عبر انسحابهم من سوريا خلال ولاية الرئيس السابق، دونالد ترامب.
ولا شك أن الانسحاب الأمريكى من الشرق الأوسط يقلق إسرائيل، ولكن الأخيرة تبقى غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة أو الابتعاد عن سياساتها الدولية، ولا على فتح علاقة مستقلة مع روسيا؛ خوفا من غضب إدارة الرئيس بايدن. وفى المقابل، فإن إسرائيل لا تريد مواجهة روسيا بطريقة ترضى الأمريكيين، وهى أيضا غير قادرة على ذلك؛ حرصا على استقرار حدودها مع سوريا. وفى جعبة الرئيس بوتين الكثير للرد على أى دعم إسرائيلى إضافى قد يصل إلى أوكرانيا، ومنه طبعا إشعال الجنوب السورى والسماح لحزب الله اللبنانى باستعادة نفوذه السابق فى المنطقة الحدودية.
وهنا يجب الإشارة إلى تدهور العلاقات الثنائية بين بوتين والرئيس التركى رجب طيب أردوغان خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد إغلاق الأخير أجواء بلاده أمام الطيران الحربى الروسى، وتزويد أوكرانيا بطائرات الدرونز المعروفة باسم «البيرقدار». وقد غضب بوتين من هذا الانقلاب فى الموقف التركى، وجاء الرد سريعا فى منطقة خفض التصعيد فى سوريا، حيث أغارت الطائرات الروسية على مناطق قريبة من مقاتلين سوريين محسوبين على الجيش التركى، كما شجعت الأكراد السوريين على قصف مواقع حدودية، وصلت نيرانها إلى محيط مدينة غازى عنتاب داخل الأراضى التركية.
وبالتالى، لا يُريد بينيت فى إسرائيل أى تصعيد مشابه لذلك الذى حصل هذا الشهر بين روسيا وتركيا، وهو حاليا أمام خيارات صعبة، جميعها مر بالنسبة له. فإما أن يكسب ود روسيا لكى يبقى آمنا داخل حدوده مع سوريا، أو أن يُرضى الولايات المتحدة الأمريكية فى أوكرانيا، على حساب بوتين، فيكسب دعما أمريكيا لحرب مُحتملة داخل الأراضى الفلسطينية، فى الضفة والقطاع، ويخسر حينها الدعم الروسى على الحدود السورية.
النص الأصلى