ما ينتظر شرق آسيا من انهيار سكانى سينعكس حتمًا على السياسة العالمية
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأحد 26 مايو 2024 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
سلّط مقال نشرته مجلة فورين أفيرز للكاتب «نيكولاس إيبرستادت» الضوء على التحولات الديمغرافية التى تشهدها دول منطقة شرق آسيا، موضحًا ما ينتظر دول مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند من تراجع كبير فى أعداد السكان خلال العقود القادمة، محذرًا من تداعيات ذلك على اقتصاد تلك الدول وقوتها العسكرية، فضلًا عن نفوذها فى الساحة العالمية.. نعرض من المقال ما يلى:
نبه المقال إلى ما ستشهده منطقة شرق آسيا من تحول ديمغرافى كبير فى العقود المقبلة، لا سيما فى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، والتى على وشك الدخول فى عصر من الانخفاض السكانى الكبير، مع تقدم مواطنيها فى العمر. وأشار المقال إلى توقعات إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة بشأن انخفاض عدد سكان الصين واليابان بنسبة 8 و18% على التوالى بين عامى 2020 و2050، وانخفاض عدد السكان بنسبة 8 و12% لكل من تايوان وكوريا الجنوبية على التوالى، وذلك فى الوقت الذى من المتوقع أن تشهد فيه الولايات المتحدة زيادة فى عدد السكان بنسبة 12%.
وفى ضوء ذلك، أوضح المقال أهمية السكان وما يملكونه من قدرات فى تعزيز قوة الدولة؛ إذ إن الدول التى بها عدد كبير من السكان يعنى امتلاكها لعدد أكبر من العمال، واقتصاد أكبر، فضلًا عن عدد أكبر من الجنود المحتملين. ومن ثمّ، فإن الدول التى تملك عددًا كبيرًا من السكان تجد سهولة فى تعزيز قوتها ونفوذها فى الخارج، بينما الدول التى لا تملك عددًا كبيرًا من السكان تكافح لتحقيق هذا الهدف، محذرًا من أن انخفاض عدد السكان فى شرق آسيا قد يعنى أن «القرن الآسيوى» (Asian Century) الذى طال انتظاره لن يأتى أبدًا.
وعلى هذا النحو، توقع المقال أنه مع التقلص المرتقب فى عدد سكان شرق آسيا، فمن المرجح أن تواجه اقتصادات تلك الدول صعوبة فى تحقيق أهداف النمو الاقتصادى، وجذب الاستثمارات، وتمويل شبكات الأمان الاجتماعى، فضلًا عن تعبئة القوات المسلحة. وفى هذا السياق، نبه المقال إلى أن مثل تلك التحولات الديمغرافية ستجعل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان تصب تركيزها بالأساس على إيجاد حلول لما يولده تراجع عدد السكان من تحديات على الداخل، بينما ستواجه الصين فجوة بين قدراتها وطموحاتها.
• • •
على هذا المنوال، أشار المقال إلى أنه فى اليابان فى أوائل سبعينيات القرن العشرين، انخفضت الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال (وهو مستوى الخصوبة الذى يحل فيه السكان محل أنفسهم بالضبط من جيل إلى آخر ويستقر فيه عدد السكان دون زيادة أو نقصان)، وفى الثمانينيات، حدث الشيء نفسه فى كوريا الجنوبية وتايوان. وانخفضت الخصوبة فى الصين إلى ما دون مستوى الإحلال فى أوائل التسعينيات. وأضاف المقال أنه اعتبارًا من عام 2023، أصبحت اليابان الدولة الأكثر خصوبة فى شرق آسيا، بالرغم من أن مستويات الإنجاب لديها أقل بنسبة 40% من معدل الإحلال.
وأوضح المقال أن مستويات الإنجاب فى الصين أقل بنحو 50% من معدل الإحلال، منوهًا إلى أنه فى حال استمر هذا الاتجاه، فإن كل جيل صينى جديد لن يتجاوز حجمه نصف الجيل الذى سبقه، منبهًا إلى أن مستوى المواليد فى كوريا الجنوبية تراجع بنسبة 65% دون مستوى الإحلال، محذرًا من أنه إذا لم يتغير الوضع فإن هذا سيعنى أنه فى غضون جيلين سيكون لدى كوريا الجنوبية 12 امرأة فقط فى سن الإنجاب مقابل كل 100 امرأة فى البلاد.
ونبه المقال إلى أنه فى الماضى، تسببت الكوارث فى انكماش عدد السكان فى شرق آسيا، سواء الحروب أو المجاعات أو الأوبئة، أما اليوم، فإن الانكماش يحدث فى ظل تحسن الأوضاع الاقتصادية والصحية؛ حيث اختار السكان إنجاب عدد أقل من الأطفال. ونوه المقال إلى غياب الأمثلة حتى الآن لدولة انخفضت فيها معدلات المواليد بنسبة 25% عن مستوى الإحلال ثم انتعشت بعد ذلك إلى مستويات الإحلال.
• • •
فى هذا السياق، أشار المقال إلى القيود التى يفرضها تراجع النمو السكانى على النفوذ الدولى لتلك الدول، موضحًا العقبات التى ستواجه تلك الدول فى توفير الشباب الذين يتمتعون بأعلى تحصيل علمى، وأفضل المهارات التقنية، وسيفرض على الدولة التحديد ما إذا كانت ستتجه إلى إلحاق هؤلاء الشباب بالجيش، الأمر الذى يؤثر على الاقتصاد بالسلب، أم إلحاقهم فورًا بسوق العمل على حساب توفير تدريبات أكثر لتعزيز مهاراتهم، مضيفًا أن القوى الصاعدة لا ينبغى لها أن تواجه مثل تلك الحسابات المعقدة.
أشار المقال أيضًا إلى أنه بالنسبة للصين على سبيل المثال، فإن تراجع النمو السكانى وما سيؤدى إليه من ارتفاع فى نسب الشيخوخة سيعنى أن البلاد ستحتاج إلى مزيد من الإنفاق على الرعاية الصحية، وتقليص إنفاقها على القوات المسلحة، مضيفًا أنه فى حال امتلكت الصين عددًا قليلًا من الشباب مقارنة بكبار السن، فستصبح الدولة والمجتمع أكثر حساسية تجاه الضحايا، وبالتالى أكثر نفورًا من المخاطرة عسكريًا.
وأوضح المقال أنه بالرغم من قدرة الصين على تعويض تراجع عدد الجنود العسكريين بالتكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعى، فإنه فى ظل الأزمات العسكرية الحقيقية يصبح من الصعوبة استبدال القوى البشرية بأى بديل آخر، مضيفًا أن نشر وتمويل قوة عسكرية على وشك أن يصبح أكثر صعوبة بالنسبة لبكين مقارنة بواشنطن.
ختاما، نبه المقال إلى أن الانهيار السكانى فى شرق آسيا لن يعتبر بمثابة فوز شامل لواشنطن؛ إذ إن تراجع قوة اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان سيعنى تراجع قدرتهم أو غياب رغبتهم فى تقديم نفس المساهمات الحالية للأمن الإقليمى، بينما ستزيد حاجة تلك الدول إلى واشنطن أكثر من أى وقت مضى للحفاظ على أمنهم.