بين بياض قلبها والجاردينيا
خولة مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 يوليه 2011 - 9:48 ص
بتوقيت القاهرة
حدثتنى وهى متكومة فى ركن من سريرها الذى بدا اوسع من الحياة التى كانت تحلم بها.. فتحت عينيها بجهد بدا وكأنه أصعب من تسلق قمة جبل شاهق.. حاولت ان تسرق النفس أو بعض منه.. تعبت رئتاها فلم تعد قادرة... نطقت ببضع كلمات خرجت مترنحة بين شهيق وزفير يأخذان كل طاقتها المتبقية.. لم تقل سوى طلب بسيط «أريحونى فأنا متعبة» من منا يملك تلك القدرة، من يستطيع؟
فى اللحظات التى تشبه هذه.. عند وداع الأحبة.. تستفيق الذكريات من غبارها تعود من الغرف الخلفية المظلمة إلى مساحات الفضاء الواسع.. ربما هو الفعل اللاإرادى فى محاولة ابقاء الصور الأجمل، الأكثر إشراقا، هنا ضحكنا وهنا تحاورنا.. وهى المستلقية فى ذاك البياض السريرى هى من تعشق الحوارات المطولة، التى تعمل على تنشيط خلايا الدماغ فى رحلة من العمل المستمر والبحث عن خيوط المعرفة والتجلى.
فى بياضها هذا استعادت كل ألوان الطيف التى عشناها معا وكان أروعها عندما كانت تستفيض فى الدخول فى تفاصيل الشخص والشخصية.. هى المتخصصة فى علم النفس الباحثة، القارئة، كثيرة الاسئلة عن تفاصيل النفس البشرية.. من غيرها يبعث على الإصغاء اكثر؟ وحدها بقيت تعشق الجمال ــ بمختلف اشكاله وترنيماته ــ والمعرفة، وحدها تبحث عن المساحات البعيدة لتدخلها بتحدى.. وحدها ترفض ذاك الحوار الكسول فى استفاضات أيام الصيف الحارقة أو الشتاء الداكنة.. وحدها تدمن طرح الاسئلة حتى تتعب هى منها! وحدها تملك القدرة على تحويل أى فعل مهما كان عاديا إلى أمر خارق.
وهى هناك مستلقية بين بياض غطاء السرير وبياض قلبها وعالمها.. تأملتها طويلا فخرجت تجليات الضحكات وتخيلتها وللحظة تنغمس فى حوار مع المرض ذاك المبهم أو حتى الموت ووجدتهما يتعبان ويكلان فأين للقدر ان يتحاور مع المنطق.. هى المنطق بتجلياته كلها.
وفيما تبدو كل محاولات اللعب فى الساعات الأخيرة سواء مع المرض أو الموت كشىء من العبث.. وحين تبحث عن بصيص فلا تجد سواها هى الباعثة للأمل وهى تصارع الموت.. حينها عدت لممارسة الفعل الأضعف فى لحظات الرحيل الا وهو الحب الباعث للدفء بين جدران وأغطية وسرير ورعب الفقدان.. فقدان الاحبة وحين عجز الأحبة سوى من بعض من لمسة دفء هنا ومسحة على الشعر هناك.. فى دقيقة حاسمة وحين فتحت عينيها لتطلق السؤال القادم.. أو هكذا تصورتها لو كانت هى المالكة المتحكمة فى قوتها أكثر لراحت ترسل الاسئلة بدلا عن تأوهات الألم والتعب.. وسارت فى درب حواراتها مرورا عبر ربيع العرب الذى طال انتظارها له ذاك الربيع الذى تعرفه جيدا وتعلمته من تلك الأشجار المصطفة على ضفاف مدينتها الساكنة فى حضن البحر.. عند صيدا ومن بعدها بيروت والجبال الحاضنة لهما تعلمت كيف يكون حب الربيع..
فعشقته.. فكيف وهو، أى الربيع، يأتى ليدق ابواب العرب للمرة الأولى منذ سنين.. بعض أو كثير منها كان يجلس لينبش فى التاريخ عنه والآن وها هو بعض منه نراه يحارب كل الفصول القاتمة السابقة تبقى هى تحمل صوره معها.. أشجار مورقة وازهار البنفسج والجاردينيا.. انثروا حولها الجاردينيا وكل زهور الأرض النابتة للبياض علها تعيدها لنا أو تريحها فى ربيع آخر.. آه كم أنت معى دوما.. كم انت معنا؟.