امرأتان
جميل مطر
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 يوليه 2016 - 9:30 م
بتوقيت القاهرة
امرأتان قطعتا أشواطا فى مسيرة تمكين النساء وتأهيلهن لحياة كريمة ومساواة معقولة، هما المرأة الأمريكية والمرأة الهندية. كان هذا، وما يزال، رأيى الذى أتمسك به فى مواجهة اعتراضات من نساء فى أمريكا ونساء فى الهند. يعترضن على المبالغة وليس على الرأى فى حد ذاته. منذ أن التقيتها، وأقصد السيدة التى شاركتها بعض غذائها جلوسا على رصيف شارع فى نيويورك، وأنا أكرر على سمع نشطاء مصريات ومصريين اعتراضها على المبالغة فى حملة التحرش. يومها، كما يذكر من قرأ كلماتى، طلبت منى أن أنقل رجاء إلى الرجال المحترمين، أن لا تحرموا أنفسكم وتحرمونا معكم من كلمة إعجاب تدلون بها من حين لآخر. تعرفون أن المرأة الذكية الواثقة من قدراتها تستطيع ببساطة شديدة وكفاءة مبهرة تدوير نظرات وعبارات الإعجاب من المحيطين بها لتصل إليها وترتد إليهم نقية وصديقة.
لم أنقل اعتراضا ثانيا على قناعة أخرى رحنا نروجها دون أن نتأكد من دقتها. قالت أنتم تبالغون حين تقررون أن المرأة الأمريكية حققت غايتها فاستحقت السعادة التى تصبو إليها كل امرأة فى عوالمكم. «هل تعلم أيها الغريب المعجب بما حققناه نحن الأمريكيات من حرية، وبالتالى من سعادة، أن نساءنا يعشن حالات ملل رهيبة. يهربن من البيوت إلى «المولات»، أو يقضين معظم ساعات اليوم فى سياراتهن. هل تعلم ماذا جنينا من ثقافة التمكين؟ جنينا الملل ثم حاولن التخلص من الملل فوقعن أسيرات الرتابة. ألم تدركوا بعد أن المرأة المعاصرة ضحية من ضحايا العولمة؟ بفضل العولمة تحولت المرأة إلى متلقية فى استرخاء لكل ما ترمى به إليها آلة العولمة. هنا فى أمريكا قد لا تجد المرأة ما تفعله سوى قضاء الساعات والأيام تلتهى بمحاولات متكررة لقتل الملل باستخدام الرتابة.
كثيرات لجأن إلى«المولات»، أى إلى «قمة الرتابة» للتغلب على الملل. كثيرات، أكثر كثيرا، لجأن إلى دردشات الفيس بوك والتغريدات والألعاب الإلكترونية، أى إلى نماذج أحدث فى عالم الرتابة أملا فى أن تكون الأشد فتكا بالملل.
ساد الظن، لفترات طويلة مثل الفترة الراهنة، بأن اللجوء للرتابة لقتل الملل قد يكون أفضل وأقل خطورة من ممارسة المغامرة. أيدت ما ذهبت إليه صديقتى الأمريكية من أن هناك فى بلادنا كما فى بلادهم نساء تلجأن للمغامرة وأحيانا المخاطرة للتخلص من الملل، ولكن كثيرات يمارسن الرتابة باعتبارها الوسيلة الآمنة لتفادى تداعيات الملل. الحذر هنا واجب، إذا استلهمنا تجربة المرأة الأمريكية، فالرتابة كالروتين قد تكون أشد خطرا على الاستقرار النفسى من تجارب التجديد ومما أحب أن أسميه مداعبة المجهول. قيل إن كوهيليو نفسه كثيرا ما كان يحذر من خطورة التمسك بالروتين، أى الرتابة، فى حياتنا.
***
لا جديد فى التأكيد على أن الحب يتآكل مع الملل، وأن الزواج يهرم قبل وقته إذا اتخذ الرتابة وسيلة للقضاء على الملل. غير خاف أن هدوء الرتابة خادع تماما كسكون الروتين. حذار على سعادة واستقرار بيت بدأ يكثر فيه ترديد كلمة «زهقت» سواء صدرت على لسان زوجة أو أبناء وبنات فى سن المراهقة أو أطفال مشكلتهم نقص الاهتمام أو عدم التجديد أو صدرت عن الزوج أفعال وشرود وتهويمات.
* * *
تقول الإحصائيات إن ثمانية ملايين فتاة هندية تتزوج كل عام بدون أن يكون لأى منهن رأى فى الزوج أو فى الزواج. إمعانا فى إذلال ما زال المجتمع يتمسك بالعرف الذى يقضى بأن تصحب العرائس أزواجهن إلى بيوت عائلاتهم، هناك، ومن اللحظة الأولى لدخولها بيت عائلة زوجها، يتعين على العروس أن تضع نفسها رهن مشيئة حماتها Mummyji وترجمتها «الأم المحترمة» فتتولى كنس البيت ومسحه كل صباح وغسل ملابس زوجها وحماها وحماتها، ثم تقف فى المطبخ لتساعد «ماميجى» وتتعلم منها فنون الطهى، ولا يفيدها أو يعفيها أن تكون قد تعلمت الطبخ على أيدى أمها قبل زواجها. لا تذهب إلى فراشها، الذى هو فراش زوجها، إلا بعد أن تأذن لها حماتها، وإذا أنجبت فهى لا تلمس الرضيع قبل أن تحمله جدته وتلقنها أصول تربية الطفل وقواعده. هى لا تخرج إلى الشارع ولا تزور أو تزار إلا فى وجود «أمها المحترمة» وهى لا تتكلم فى حضور الضيوف إلا بإذنها. لا شىء فى هذا «النظام» يتغير حتى يصل أولادها إلى سن النضوج فيخرج الجميع من تحت جناح الأم المحترمة إلى بيت خاص بهم. هناك تبدأ الزوجة وقد صارت ربة بيتها فى البحث عن زوجة لابنها لتعيد معها الكرة.
فى تعليق لصديقة هندية على ما ذكرته أمامها عن الملل الذى تعانى منه أغلبية نساء أمريكا وملايين النساء خارجها وعن الرتابة وخطرها، قالت إن نساء الهند ربما تفادين الملل بخضوعهن للعرف، فالمرأة الهندية لن تجد الفرصة لممارسة الملل حتى يتزوج ابنها ويأتى لها بامرأة تخدمها.
يبدو أن بعض جهود تمكين المرأة تضيع هباء.