اهتمام الأردن بالاستقرار فى سوريا
العالم يفكر
آخر تحديث:
الأحد 26 أغسطس 2018 - 9:09 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة صدى كارنيجى مقالا للكاتبين: لينا حداد كريديه، وجيسى ماركس.. يتناولان فيه أزمة عودة اللاجئين السوريين من الأردن والصعوبات التى تقف عائقا أمام تحقيق ذلك ومنها ــ على سبيل المثال ــ التحولات الديمغرافية، والدمار الواسع، والخوف من الاعتقال أو الاحتجاز من جانب الحكومة، والتجنيد الإلزامى.. كل ذلك من شأنه أن يثنى عددا كبيرا من اللاجئين السوريين عن العودة.
يستهل الكاتبان حديثهما بالقول إنه على الرغم من الانتصارات التى حققها نظام الأسد أخيرا فى جنوب غرب سوريا ــ لا سيما فى الغوطة الشرقية ودرعا ــ فإن الهواجس الأمنية تُعطل آفاق عودة اللاجئين السوريين فى الأردن.. فى إشارة إلى أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين المسجلين فى الأردن، ومجموعهم 660000، يتحدرون من الجنوب المتنازَع عليه، الذى يضم درعا والقنيطرة والسويداء وريف دمشق. فى الواقع، يمكن أن يكون هذا الرقم أكبر، فعددٌ كبير من اللاجئين السوريين غير المسجلين فى الأردن ــ ويُقدَر مجموعهم بـ643000 ــ عبروا إلى الأردن من المحافظات المجاورة الواقعة جنوب غرب سوريا، لا سيما محافظة درعا، خلال «سياسة الحدود المفتوحة» التى اعتمدتها المملكة وانتهت فى العام 2015. لهذا السبب، غالب الظن أن الجنوب الغربى سيكون الوجهة الرئيسية للعائدين.
قبل الهجوم فى الجنوب الغربى، شكلت التصورات عن تحسن الأمن والأمان، فضلا عن الرغبة فى اجتماع الشمل من جديد مع العائلة، محفزات كافية لنحو 17000 سورى كى ينظموا عودتهم بأنفسهم بين يناير 2016 ويونيو 2018. إنما غالب الظن أن التحولات الديمغرافية، والدمار الواسع، والخوف من الاعتقال أو الاحتجاز من جانب الحكومة، والتجنيد الإلزامى ستُثنى عددا كبيرا من اللاجئين السوريين عن العودة. وصرح أجد اللاجئين فى الأردن وكان معتقلا فى سوريا بالقول: «قد يُعيدنى النظام إلى السجن... أعرف رجلَين أو ثلاثة اعتُقلوا لدى عودتهم. ومع أننى لم أفعل شيئا، ثمة احتمال كبير بأن تُقدم الحكومة على اعتقالى». ويضيف آخر وهو أيضا لاجئ سورى: «لا مكان نعود إليه.. فقدنا عددا كبيرا من أفراد العائلة.. فى حال قررت العودة، قد أُرغَم على [القتال فى] إدلب».
لقد انهارت إلى حد كبير المحاولات التى بذلتها عملية أستانة بقيادة روسيا لإنشاء مناطق آمنة لخفض التصعيد بغية تحفيز السوريين على العودة، وذلك بعدما شنت روسيا والجيش السورى هجمات شاملة لاستعادة السيطرة على هذه المناطق، خصوصا على درعا والغوطة الشرقية. وقد أعرب معظم اللاجئين من درعا الذين التقيناهم فى الأردن، عن عدم ثقتهم فى هذه المناطق لأنها أنشئت تلبية لمصالح اللاعبين الكبار فى النزاع ــ روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة والأردن ــ وليس مصالح السوريين.
***
بالنسبة إلى الأردن، يتطلب بسط الأمن فى المنطقة الواقعة جنوب غرب سورية وإعادة إعمارها بغية توليد ظروف مواتية لعودة اللاجئين، انخراطا دبلوماسيا مع روسيا والحكومة السورية. لقد أشار الأردن إلى أنه ينتظر استتباب الأوضاع فى الجانب الآخر كى يفتح حدوده أمام التجارة وحركة المدنيين. وينتظر ــ على وجه التحديد ــ التخلص من العوامل المفسِدة المحتملة (مثل المجموعات المدعومة من إيران) التى يمكن أن تؤدى إلى هروب السوريين عبر الحدود من جديد. على الأرجح أن الحضور الروسى الضعيف فى الجنوب ليس كافيا للحؤول دون تجدُد العنف فى المنطقة، إنما بإمكان الأردن وروسيا أن يعملا على مأسسة مجموعات المعارضة «التى عقدت مصالحة» مع النظام ــ والتى يمكنها الاختيار بين مغادرة المناطق التى استعاد النظام السيطرة عليها أو الاندماج فى الجيش ــ وتحويلها إلى قوة أمنية معنية بمكافحة الإرهاب. بإمكان هذه القوى أن تُفكك ما تبقى من الشبكات الإرهابية عند حدود الأردن الشمالية، وتساهم فى بسط الأمن فى الجنوب الغربى من أجل إعادة الإعمار.
الأهم أنه من شأن بسط الأمن فى جنوب غرب سوريا أن يُتيح للأردن إعادة فتح حدوده التى أُغلِقت منذ العام 2015 لدواعٍ أمنية، والتخفيف من أعبائه الاقتصادية. والحدود المفتوحة تمنحه وصولا إلى الأسواق فى جنوب سوريا وإلى الطرقات التجارية المؤدية إلى المنطقة الأوسع. وعلى وجه التحديد، فى حال انطلاق عملية إعادة الإعمار، فقد يولد ذلك نشاطا للشركات الأردنية التى تنتج مواد للبناء ومواد غذائية وتصدرها إلى سورية. ومن شأنه أن يستحدث أيضا وظائف فى عملية إعادة الإعمار فى سورية، ويُحفز عودة اللاجئين الذين بات كثرٌ منهم يعانون الفقر فى غياب الوصول إلى الوظائف.
يبدى الأردن ــ انطلاقا من موقعه الاستراتيجى ــ تصميما على أداء دور مهم فى جهود إعادة الإعمار فى سوريا، وقد استقطب استثمارات دولية لضمان قدرته على النهوض بهذا الدور. فقد أعربت الصين ــ التى استثمرت ما يزيد عن مليارَى دولار منذ العام 2015 لتعزيز البنى التحتية وقطاع الطاقة فى الأردن ــ عن رغبتها فى الاستثمار فى الأردن بوصفه مركزا لجهود إعادة الإعمار فى سوريا والعراق. وفى 10 من يوليو الماضى، قرنت الصين القول بالفعل عبر الإعلان عن خطة إنمائية طموح للشرق الأوسط، تشتمل على قروض بقيمة 20 مليار دولار مخصصة لإنماء المنطقة، ونحو مائة مليون دولار لمساعدة الأردن وسورية ولبنان واليمن فى جهود إعادة الإعمار. فضلا عن ذلك، تحصل المملكة على بعض المساعدات المالية والاستثمارات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، اللذين ينشطان فى العمل داخل الأردن استعدادا لمرحلة إعادة الإعمار فى سوريا والعراق.
لن تكون العودة ممكنة لجميع السوريين، إنما باستطاعة الأشخاص الذين يمكثون فى الأردن المساهمة فى إعادة الإعمار. بالنسبة إلى كثيرين، يُبدد الفقر الآمال بالعودة. يساهم دمج العمال السوريين فى السوق الأردنية ــ عملا بإحدى التوصيات الرئيسية الصادرة عن المفوضية الأوروبية ــ فى تدريب اللاجئين السوريين على العمل فى قطاعات سوف ترتدى أهمية أساسية لإعادة إعمار بلادهم. ويهدف الميثاق الأردنى الصادر فى العام 2016، والذى يحظى بموافقة دولية، إلى دمج اللاجئين السوريين فى عدد محدود من القطاعات فى سوق العمل الأردنية – لا سيما الإنشاءات والزراعة والأقمشة، وهى قطاعات لا يُقبِل الأردنيون عادة على التوظف فيها – ويمكن أن يشكل إطار عمل فى هذا السياق. بيد أن تطبيقه بطىء، لا سيما على ضوء محدودية الفرص الوظيفية فى القطاعات المذكورة. ويشار إلى أنه لم يصدر سوى 87000 تصريح عمل من أصل 200000 كان من المنوى إصدارها للاجئين السوريين، وهذا الرقم يجسد مجرد شريحة صغيرة من مجموع السوريين فى الأردن. على الرغم من النمو البطىء، غالب الظن أن الصناعات والقطاعات التى تتيح توظيف السوريين بموجب الميثاق الأردنى، سوف تزداد فى حال فتح الحدود، وذلك بسبب تجدُد الوصول إلى السوق الجنوبية السورية والحاجة إلى إعادة الإعمار. ويمكن أن تُترجَم الاندفاعة الممنوحة لهذه القطاعات مزيدا من الوظائف، للسوريين العائدين وأولئك الذين يمكثون فى الأردن على السواء.
***
ويستطرد الكاتبان أنه أبعد من العوائق الاقتصادية التى تعترض العودة، يخشى عدد كبير من السوريين المخاطر التى قد يواجهونها فى حال العودة. فبالنسبة إلى عدد كبير من العائلات فى درعا التى شارك أقرباؤها فى المعارضة أو كانوا على صلة بأفراد فى المعارضة، يبقى الخوف من الانتقام على يد الحكومة عائقا أساسيا أمام العودة، لا سيما بعد سقوط الجنوب الغربى. يستضيف الأردن على أراضيه كوكبة منوعة من القادة والمقاتلين والنشطاء المعارضين، والمنشقين من الجيش السورى الذين هم معرَضون على وجه الخصوص للعنف من النظام فى حال العودة. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية قدمت عفوا عاما عن المقاتلين الذين «يتصالحون» مع الدولة عبر انضمامهم إلى الجيش أو القوة القتالية التابعة للنظام فى غضون ستة أشهر، إلا أن ذلك لا يؤمن حماية قانونية أو ضمانات لسلامتهم فى المدى الطويل. والخيارات المطروحة راهنا ــ بين انضمامهم إلى القتال لحساب بشار الأسد، ما يعنى التعرض على الأرجح لسوء المعاملة بصورة منهجية أو الانتشار عند الخطوط الأمامية، وبين نقلهم إلى إدلب ــ سوف تثنى فى الأغلب السوريين عن العودة إلى ديارهم بدلا من تشجيعهم على العودة.
وختاما يضيف الكاتبان أنه يبقى التحدى الأبرز المطروح على الأردن ألا وهو النزوح المطول لـ1.3 مليون لاجئ سورى داخل حدود المملكة. تقتضى معالجة هذه المسألة تخطيطا استراتيجيا طويل الأمد بين الحكومة والمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وسواها من وكالات الأمم المتحدة، ومجموعات المساعدات الدولية ــ ليس فقط من أجل تأمين عودة اللاجئين الطوعية والآمنة والمستدامة إلى سورية، إنما أيضا لضمان استقرار الأردن واستمراريته. لكن فيما يعمل الأسد على تثبيت سلطته فى الجنوب، أمام الأردن فرصة سانحة لتمهيد الطريق نحو بسط الاستقرار فى المدى الطويل، والذى يُعتبَر ضروريا لإحياء الأمل بالعودة لدى السوريين فى الأردن.
النص الأصلي