مترشحون أم مؤدون يقدمون عرضًا على المسرح السياسى؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الإثنين 26 أغسطس 2019 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» نعرض منه ما يلى:
من مزايا الانتقال الديمقراطى أنه حفزنى على إثراء ثقافتى السياسية فوجدتنى أتخذ قرار الالتحاق بمركز بحث تابع لجامعة ألمانية. وكم كانت دهشتى كبيرة حين اكتشفت أن كل المحاضرات والبحوث التى ينجزها المنتفعون بمنح البحث من أمثالى، لابد أن تعقد صلة متينة بين العلوم السياسية والقانونية والفنون.
تذكرت، وأنا أتابع محاورة المترشحين للرئاسية، ما تعلمته خلال إقامتى بألمانيا فتساءلت: ماذا لو غيرنا عدسة التحديق وأدوات التحليل واخترنا أن نتأمل فى خطابات المترشحين وأفعالهم من زاوية مختلفة؟ ألا توفر لنا مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة فرصا للمتابعة والتحليل ومادة ثرية للنقد و«التنبير» والضحك والسخرية، ودافعا قويا للانفعال والغضب؟ ألا يحتم علينا «المشهد السياسى التونسى» أن نغير العُدة المنهجية التقليدية فنقرن العلوم السياسية بدراسات الميديا والفنون؟
يحرص «ملاك القنوات» أكثر من غيرهم، على تنظيم «الحوارات» فيجهزون المسرح للمأدبة أو «الفرجة». ويختار آخرون طريقة الحوار القائم على المواجهة «جيب السيف هى قابلنى» أو Face to face ويصنف مُنتجو البرامج السياسية ضيوفهم وفق تراتبية هرمية يتقاطع فيها الجندر مع السن مع الطبقة... إذ «لا يستوى» العالم والجاهل: الرجال السياسيون «مذ ولدتهم أمهاتهم» والمحنكون و«ذوو السوابق» فى الترشح وأهل الفصاحة والبلاغة مع النساء الوافدات على عالم السياسية و«النكرات»، و«المتطفلين»... ولا يستوى من خَبر خفايا الكواليس، وما يدبره أهل الإعلام فحصن نفسه بتعويذة أو رقية شرعية أو استنجد بأنموذج «بورقيبة ــ السبسى» أو عقد الصلح مع هذا الإعلامى وذاك، ومن حضر، وهو بأسرار العمل الإعلامى غير عليم .فـ«هل يَسْتَوِى الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَذِينَ لَا يَعْلَمُونَ».
وبالرجوع إلى أداء المترشحين على المسرح ندرك الفرق بين الشخصيات البطلة و«الكومبارس»، والأدوار الرئيسية والأدوار الثانوية، وننتبه إلى تفاوت المهارات. فشتان بين المحترف الذى يتقن «تمثيل» دوره فيأسر قلوب الجماهير، فيبكى متأثرا بمعاناة الكادحين، ويُظهر ألمه وورعه أمام «الزوايا»... وذاك العيى الذى يتلعثم أو تلك التى ترتبك فتخونها العبارات... ولهؤلاء، فى الواقع، عذر إذ تعلموا أنه فى يوم الامتحان «يكرم المرء أو يهان».... ولا شك عندنا أن المرور على الصراط عسير مهما استعد المترشحون واستأنسوا بنصائح خبراء التواصل، وله تبعات ذلك أن الفيسبوكيين لا يرحمون ولا «يسدلون الستار على عورات» المترشحين.
ودراسة «حركات الجسد» وإيقاع الأصوات مفيدة فى هذا الضرب من الأداء. فكم من مترشح لم يستطع أن يستمر فى أداء دور السياسى «الكول» «حبيب الجماهير» فقطب الجبين وعقد الحاجبين عندما استفزه المحاور، وصرخ... وكم من «ممثل» استغرق فى أداء الدور ولم يتفطن إلى أنه يتحدث مع التقنيين... وكم من مترشح رفع السبابة متوعدا... وكم من مترشح لامس ربطة عنقه أكثر من مرة أو جمع الكف متناسيا ما لقنه إياه الخبراء من أن كل فعل تواصلى يشكل علاقة اجتماعية...
وبصرف النظر عن جودة الديكور والإضاءة وفنيات كتابة السيناريو والحبكة من عدمها فإن عروض المؤدين تُقدم للجماهير باعتبارها «وجبة ساخنة»، وكل يستهلكها حسب حاجاته ومدى استعداده لفك شفرات العمل المسرحى... فيتأثر قسم من الجمهور ويخال التخييل واقعا فيصدق... بينما ينتبه قسم آخر إلى ركاكة الأداء وضعف الحبكة و... فيحدثك عن تعالق الفن السريالى بأفلام «الأكشن» والكوميديا بالدراما وينتهى به الأمر إلى أن يلعن اليوم الذى صار فيه المتطفلون يعتلون خشبة المسرح.
ونزعم أن حدث الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 لم يكن إلا عرضا مسرحيا فاشلا غابت فيه مقومات العمل الفنى وغاب فيه المبدعون العظماء وقد فوت علينا فرصة تحليل الخطابات السياسية الثرية ومقارنة مختلف البرامج المقدمة وإمكانية رصد المبادرات القيمة والسلوك السياسى المتميز... وحرمنا من متعة المشاهدة ولذا أخرجناه من دائرة الدراسات السياسية واعتبرناه فعلا سينمائيا يتضمن حدثا اجتماعيا يحفزنا على تأويل الصور والإشارات والألوان وغيرها.
المغرب ــ تونس