فصول التحالف الجديد بين «داعش» و«هلال الممانعة»
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 26 سبتمبر 2014 - 7:30 ص
بتوقيت القاهرة
الحياة ــ لندن - حازم الأمين
هناك تجربة يجب القياس عليها لاستشراف موقع «هلال الممانعة»، أى سوريا وإيران وروسيا، من الحرب المزمع شنها على «داعش». والتجربة هى ما كان يُطلق عليه «المقاومة العراقية»، فى النصف الثانى من العقد الماضى. ففيما كانت تلك «المقاومة» نوعا من الحرب الأهلية، تمكنت كل من سوريا وإيران من الاستثمار فى «مقاومة الآخرين» للاحتلال الأمريكى. طهران ودمشق وحدهما من استفاد من «المقاومة» السنّية. فقد انسحب الأمريكيون وتركوا العراق هدية لطهران، وكان من نتائج ذلك أيضا أن انحاز النظام الجديد فى العراق إلى نظام «البعث» فى سوريا فى المحنة التى تعصف به هذه الأيام.
اليوم نشهد فصولا تُذكِر بتلك الوقائع.
العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يستعد لخوض حرب على «داعش». طهران ودمشق استُبعِدتا من هذا التحالف لأسباب يعرفها الجميع، وأعلنتا أنهما لن تسكتا عن «انتهاك» السيادة، ولم يُخفف حدة لهجتهما أن الحرب تستهدف عدوهما، أى «داعش». التشابه هنا يكاد أن يُلغى الفروق. فصدام حسين كان أيضا عدو عاصمتى الممانعة، وكان من بين أهداف إسقاطه «حماية الشيعة» أيضا.
فى حينه توزعت العاصمتان المواقع: دمشق راحت تضخ «مجاهدى القاعدة» إلى بغداد ليستهدفوا كل شىء هناك، وطهران راحت تدعم الميليشيات الشيعية. ونجحت الخطة المحكمة، فسقطت بغداد فى يد طهران.
بدأ سيناريو مشابه يلوح اليوم. ولن تتردد كل من العاصمتين فى محاولة تأمين نصر لـ«داعش» تعودان لاحقا لاستثماره. فتنظيم «الخلافة» الذى تمكن فى أشهر قليلة من السيطرة على مناطق واسعة فى العراق وسوريا مستعينا بالدرجة الأولى بمشاعر الانقسام المذهبى الذى لطالما غذته طهران ودمشق، هو اليوم الدجاجة التى تبيض ذهبا لهلال الممانعة. فالجميع يعرف أن لا مستقبل لهذا التنظيم ولا أفقا، وأن ينجح فى إعاقة أهداف التحالف الدولى، فهذا يعنى أن جهة ما من المفترض أن تستثمر فى ذلك، ولن تكون هذه الجهة سوى طهران والنظام المتداعى فى سوريا.
نعم طهران محقة عندما تقول إن التحالف الدولى ضد «داعش» يُضمر سوءا للنظام فى سوريا. بدأت مؤشرات ذلك تلوح عبر اعلان الولايات المتحدة تدريب فصائل من المعارضة السورية فى موازاة الغارات التى ستشنها على «داعش»، علما بأن الهدف من ذلك هو منع النظام السورى من الاستثمار فى نتائج هذه الضربات.
ويبدو أن جيش النظام فى سوريا بدأ يتحرك وفقا لهذه المعطيات. ففى الأسبوعين الفائتين انتقلت غارات طيرانه إلى استهداف الفصائل المناوئة لـ«داعش» فى إدلب وحلب. وما إضعاف خصوم «داعش» إلا بداية طريق لضخ المزيد من أسباب الصمود فى شرايين «الخلافة». ثم إن مؤشرات أخرى بدأت تلوح لا يُمكن استبعادها عن هذا السياق. ففى الأسبوع الفائت أعلن «حزب الله» أنه سيُضاعف نشاطه العسكرى إلى جانب النظام فى سوريا، وأن المرحلة تقتضى مزيدا من القتال هناك، وهذا الإعلان جاء غير منسجم مع سياسة الصمت التى يضربها الحزب على دوره فى دمشق، وغير منسجم أيضا مع ما يُمكن أن نتوقعه لجهة تبريد الاحتقان المذهبى. إعلان الحزب سيُقدم لـ«داعش» مزيدا من المقاتلين، وسيجعل من هذا التنظيم الجهة التى تتولى مواجهة المد الشيعى. الإعلان جاء فعلا هدية قيّمة لـ«الخلافة» فى ظل ادعائها دفع الظلامة عن «أهل السنة». وفى السياسة لا يمكن توظيف هذا الإعلان إلا بالرغبة فى دعم «داعش».
صحيح أن الصعود المفاجئ لـ«داعش» أحدث هلعا فى صفوف «هلال الممانعة»، لكن التحالف الدولى المستجد هو العدو غير الأهلى الذى يشكل تهديدا أكبر. وفى ظل هذه المعادلة، فإن العدو الأهلى الذى لا مستقبل سياسيا له هو الخيار، وعلينا أن نتوقع تغييرا وشيكا فى المواقع مع بدء الغارات على مواقع «داعش» فى سوريا.
فى العراق لا يبدو أن هناك تحفظا جوهريا لطهران عن مهمة التحالف. ضرب «داعش» هناك سيُعزز مواقع حلفائها، وإن كان غير واضح بعد ما وعدت به واشنطن السنّة العرب، لا سيما أن الجميع يعرف، خصوصا الجنرال جون آلن، أن لا نصر على «داعش» من دون أثمان سياسية فعلية يجب أن تُدفع للسنّة العرب. أما فى سوريا فليس أمام «هلال الممانعة» إلا الرهان على صمود «داعش»، وبما أن هذا الصمود لن يؤمنه إلا استهداف خصوم التنظيم من المعارضة السورية، وإعاقة تقدمهم إلى المواقع المستهدفة بالغارات، فسيتولى جيش النظام إضعاف خصوم «الخلافة» وسيتولى «حزب الله» رفع مستوى الجاهزية المذهبية لـ«تنظيم» الدولة عبر كشفه مزيدا من الأدوار التى يؤديها فى سوريا.
كانت الخطة تقضى بأن يُسارع العالم إلى تحالف مع النظام فى سوريا للقضاء على «داعش». رُتب المسرح لذلك، وخرج وليد المعلم مرحبا بحرب دولية على هذا التنظيم، مُقدما «السيادة» هدية لمن يطلبها، شرط أن يبقى النظام، أما وأن العالم رفض، فإن ذلك يعنى أنه «إمبريالى».
لا قيمة للخصومة المذهبية فى حرب من هذا النوع. مستقبل النظام فى سوريا أهم فى عرف طهران من الأخطار التى يُشكلها «داعش». وهذا التنظيم، فى ظل انسداد أفقه السياسى، سيتيح لطهران أن تستثمر فى دمشق على نحو ما أتاحت «القاعدة» لها أن تستثمر فى بغداد. لا قيمة للضحايا أيضا إذا كان موتهم، على مذبح المصالح. العدو المذهبى حليف موضوعى، وهذه المعادلة التى ابتُذلت عشرات المرات فى حروبنا الأهلية الممتدة على مدى تاريخنا الحديث، ها هى تنبعث مجددا. أمريكا، عدو طهران و«حزب الله» والنظام فى سوريا، ستشن حربا على «داعش». ومصلحة طهران أن لا تُهزم «الخلافة»، وربما احتاج ذلك تسعيرا للخطاب المذهبى، وربما أيضا فتح معسكرات لتدريب «المجاهدين» السنّة. ولمَ لا؟ ألم نشهد مثيلا لذلك فى العراق بين 2005 و2009؟