ترامب يحكم إسرائيل!!
      
         عماد الدين حسين
        
          عماد الدين حسين 
      
      
      
        آخر تحديث:
        الأحد 26 أكتوبر 2025 - 7:05 م 
        بتوقيت القاهرة
      
      أمريكا وإسرائيل.. مَن يقود مَن؟ سؤال ظل يردده كثيرون منذ زرع إسرائيل فى المنطقة عنوة عام 1948، لكنه تجدد أكثر  طوال مدة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة الذى بدأ فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ عقب عملية طوفان الأقصى، ولم يتوقف إلا عقب قمة شرم الشيخ فى ١٣ أكتوبر الحالى..
المنطقى والطبيعى أن أمريكا هى من تقود إسرائيل لأن الأخيرة فى التحليل النهائى مجرد أداة وظيفية للغرب منذ عقود طويلة، وفى كل القضايا المفصلية فإن أمريكا هى التى كانت تأمر فتطيع إسرائيل.
لماذا نطرح هذا السؤال الآن؟
 ببساطة لأن غالبية كبار المسئولين الإسرائيليين كانوا يتحدثون طوال الشهور الماضية عن احتمال قرب ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وقد أقر الكنيست الإسرائيلى بالفعل القرار فى قراءة أولية نهاية الأسبوع الماضى. ويوم الخميس الماضى قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لمجلة تايم إن قرار الضم لن يتم، وإنه وعد الدول العربية والإسلامية بذلك. بعد هذا الحزم والحسم من ترامب ثم نائبه جى دى فانس وكبار المسئولين الأمريكيين تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وقال إنه لم يأمر بذلك بل إن المعارضة وبالشراكة مع بعض قوى الائتلاف الحاكم هى من تقدمت بالاقتراح لإحراجه!!.
هذا التطور الدراماتيكى يجيب بوضوح أن أمريكا هى من تدير إسرائيل وليس العكس.
لكن الذين يعتقدون أن إسرائيل هى من تحكم أمريكا معذورون تماما، لأن وقائع وتفاصيل العدوان الإسرائيلى طوال العامين الماضيين كانت تشير بنسبة كبيرة إلى أن إسرائيل هى من يحكم أمريكا. فالرئيس السابق جو بايدن جاء مهرولا لإسرائيل بعد أيام قليلة من «طوفان الأقصى» وفتح مخازن السلاح، وخزائن المال، واستخدم الفيتو مرات ومرات لضمان استمرار العدوان.
وذهب نتنياهو إلى الكونجرس أكثر من مرة وكأنه هو من يحكم أمريكا وليس مجرد متلقٍ لمساعداتها.
 كنا نظن أن بايدن هو أفضل من خدم ودعم وساعد إسرائيل، لكننا اكتشفنا أن ترامب فاق الجميع، وكان يهدد الفلسطينيين ليل نهار بفتح أبواب الجحيم عليهم، بل شارك فى العدوان على إيران فى شهر يونية الماضى، وقبل أيام تفاخر بأن كل العمليات العسكرية الإسرائيلية النوعية خصوصا البيجر فى لبنان كانت بعلمه ودعمه وموافقته.
لكن ترامب اكتشف أن استمرار العدوان قد يتسبب فى الإضرار بالمصالح الأمريكية على المدى الطويل، وهكذا طرح خطته المكونة من عشرين بندا، ورغم انحيازها لإسرائيل، فإنها فى النهاية أوقفت العدوان وسمحت بدخول المساعدات وأوقفت مخطط التهجير.
خطة ترامب لم تعجب اليمين المتطرف فى إسرائيل لأنها تجهض مخطط تصفية القضية الفلسطينية ـ على الأقل فى الوقت الراهن ــ ثم جاء إعلان ترامب برفض ضم إسرائيل للضفة، ليطرح السؤال المهم وهو: من يحكم من؟
العديد من الكتاب والمسئولين الإسرائيليين كتبوا معلقين على تطورات الأيام الأخيرة بأنها تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة هى الحاكم الفعلى لإسرائيل ووجدنا من يشبه المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف بأنه «المبعوث السامى الأمريكى» الذى يتخذ القرارات الاستراتيجية الكبرى المتعلقة بإسرائيل ومستقبلها.
قد يسأل سائل ويقول: وكيف يمكن تفسير التماهى الأمريكى الكامل مع إسرائيل طوال فترة العدوان والدعم المكشوف، بل والمشاركة الكاملة فى العدوان؟!
الإجابة ببساطة تتمثل فى أن إسرائيل تنجح فى مرات كثيرة فى جعل مصالحها هى نفس مصالح الولايات المتحدة، وتصور لواشنطن أنها تدافع عن المصالح الأمريكية. وكانت هذه الطريقة تنجح دائما، لقوة تأثير اللوبى اليهودى الصهيونى فى أمريكا وأوروبا أولا، ولعوامل دينية، ولغياب أى تأثير عربى على القرار الأمريكى، رغم وجود مصالح أمريكية كبرى فى الدول العربية.
 لكن وحينما تتعارض المصالح الأمريكية مع الإسرائيليين فإن واشطن تتدخل دائما وتجبر إسرائيل على الصمت والطاعة.
هل معنى ما سبق أن ترامب صار نصيرا للحقوق العربية والفلسطينية، وأن إسرائيل سوف تقبل ذلك من دون مقاومة؟
الإجابة هى لا مؤكدة.
والأمر يتوقف فقط على وحدة الصف الفلسطينى واستمرار التنسيق العربى واقناع الولايات المتحدة بأن سلوك اليمين المتطرف فى إسرائيل سوف يضر المصالح الأمريكية على المدى الطويل.