الثامنة صباحًا بتوقيت «راس بيروت»
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 26 نوفمبر 2017 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
شاطئ عين المريسة فى الصباح، الحركة هنا لا تتوقف، وزحمة وصول الطلاب والطالبات إلى المدارس، ولا يمكن أن ننسى الجامعة الأمريكية.. البعض يمارس رياضته الصباحية وآخرون اصطفوا متراصين يصطادون السمك أو هكذا بدوا بصناراتهم.. زخات مطر خفيفة والبحر نقى لا يبدد الأفق إلا سفينة شحن تتمايل ببطء والسماء مزينة بالغيوم الراقصة والشمس تحاول التسلل بينها.. هناك تصطف المقاهى التى تبدأ فى استقبال عشاق قهوة الصباح مع صوت الموج.
***
إنها الثامنة بتوقيت راس بيروت حيث تراث طويل من الحكايات وحيث الوجوه المألوفة منذ سنين، فمن سكن هذه البقعة من بيروت بل من لبنان يردد دوما: «أنا لا أعرف العيش خارج راس بيروت».. فيما يتطلع الآخرون إليهم باستغراب؛ فهى البقعة التى تحولت مع عوالم الحروب والاضطرابات المتكررة إلى أكثر مكان اكتظاظا وهى التى تحتضن أهم وأعرق جامعات لبنان والمنطقة، وهى حيث تتركز مجموعة من المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والدوائر والشركات يضاف إلى ذلك كم من المطاعم والمقاهى.. بعضها يناضل للبقاء، وآخرون رحلوا كما الوجوه التى كانت هناك ولم تعد تحلو بها الصباحات.
***
وراس بيروت لا تعرف الهدوء ليل نهار، وعلى الرغم من ذلك يتمسك الكثيرون بالعيش فيها حتى عندما زحفت الجرافات والمقاهى على مواقع البيوت وأصبحت مواقف السيارات أكثر من الأرصفة فإنهم مصرون على البقاء.. راس بيروت هى المزيج الذى كان كل لبنان وربما كثير من المدن العربية التى رحل عنها ساكنوها إما بالترهيب والرعب الممنهج وإما لقلة الحيلة والعوز والنقص فى فرص العيش الكريم.. تقول أم إيلى إنها ولدت وعاشت فى راس بيروت ولن ترحل على الرغم من أن كل أبنائها قد غادروا راس بيروت ومنه غادروا لبنان ولا يفكرون بالعودة.. هى لها أهلها الذين هم من تبقى من السكان الأصليين وبعض القادمين الجدد الذين اندمجوا فى منظومة ثقافة راس بيروت.. فى كل صباح تتحسس أم إيلى شوارع راس بيروت وكأنها طفلتها الصغيرة، تسير بخطى بطيئة فى شارع جان دارك ثم تنحنى مارة بكل الطرقات المتفرعة. تؤدى التحية للجميع وتنتهى عند التعاونية تشترى احتياجاتها ثم وهى فى الطريق تتوقف لشرب القهوة عند ناصية الشارع ولا تنسى شراء الجرائد وخلال أحاديثها تكرر امتعاضها من طلاب الجامعة الأمريكية فهم فى رأيها مختلفون عن تلك النخبة التى كانت زمان.. فلا يعجبها لبسهم ولا حركاتهم ولا كلماتهم ولا طريقة تعاملهم التى هى ليست «من عاداتنا ولا تقاليدنا الأصيلة».
***
تمر بشمالى ستور تلقى التحية على الإخوة وتسألهم عما تسلموه من زينة الكريسماس، ففى كل عيد ميلاد تنتظر الزائرين من بقاع الكون وكثيرا ما تبقى وحدها ولكن جيرانها لا يزالون هم الزاد والزواد وكذلك كل أهالى راس بيروت.
***
هى نموذج من كثير من النساء والرجال الذين يرددون أن راس بيروت مختلفة، فهى أولا خليط وليست ذات لون واحد طائفى أو مذهبى كما تحولت مناطق ومدن لبنان. وراس بيروت لا تزال مركزا للثقافة والفكر ففى المساءات وحين يجد أهالى راس بيروت حاجة للترفيه لا عليهم سوى المضى لمسرح المدينة أو مترو المدينة ولا بد من أن تكون هناك مسرحية أو أمسية شعرية أو موسيقية راقية.. معيارهم هو رقى زمان!!! معالم راس بيروت تتضاءل وتحل محلها تلوينات حداثية فى الكثير من الأحيان مشوهة جدا ولكن يبقى سكانها متمسكين ببعض ما تبقى لهم.
***
صباحات راس بيروت هو تحسس سكانها لقهوتهم على وقع موج البحر وصوت العصافير وبعض وجوه كانت وبيوت حشرت بين عمارات مرتفعة ومطاعم تحاول أن تتشبه بالذى كان قد تفشل أحيانا وقد تنجح فقط لأنها ليست من الفاست فود.. ومقاهى وحانات وبارات وكثير من البشر معظمهم من الشباب بحكم تواجد الجامعات ولكن تبقى راس بيروت مطعمة بوجوه لا تزال مصممة على البقاء فى هذه البقعة ربما للإصرار إنه لا تزال هناك مساحة من الأمل والحرية التى كانت هى بيروت فى أيام العز حيث تكرر أم إيلى «رزق الله على هديك الأيام» رزق الله!!!