دع قنالي
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 26 ديسمبر 2022 - 6:45 م
بتوقيت القاهرة
احتفلت محافظة بورسعيد، يوم الجمعة الماضى، بعيدها القومى الذى يصادف ذكرى دحر العدوان الثلاثى الذى شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956، عقب إعلان الرئيس جمال عبدالناصر من ميدان المنشية بالإسكندرية فى 26 يوليو من العام ذاته قراره الشهير بتأميم شركة قناة السويس «شركة مساهمة مصرية» ردا على رفض البنك الدولى تمويل بناء السد العالى الذى حمى مصر فى سنوات الفيضان والجفاف وقدم طاقة كهربية نظيفة أنارت ملايين البيوت وشغلت مئات المصانع.
جاءت إسرائيل عبر صحراء سيناء وأنزل البريطانيون قواتهم فى مطار الجميل، والفرنسيون هبطوا على الرسوة جنوب بورسعيد، معتقدين أن العدوان سيكون نزهة تعود بعدها قناة السويس إلى قبضة الاستعمار من جديد، غير أن بورسعيد كان لها رأى آخر، وكلنا يتذكر صفحة النضال والصمود التى قدمها أبناء المدينة الباسلة، تقودهم روح وطنية وثابة، مكنتهم بأسلحة خفيفة من تلقين القوات الغازية درسا فى معنى الدفاع عن الوطن.
هذا العام جاء الاحتفال بالعيد القومى لبورسعيد، أو «عيد النصر»، الذى كانت تحتفل به مصر كلها قبل أن يتم نسيانه فى الأروقة الرسمية، فى خضم جدل هائل بشأن قناة السويس، عقب أن وافق مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفى جبالى، على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، قبل أن يرجئ الموافقة النهائية عليه لـ«جلسة قادمة».
مشروع القانون قالت الحكومة إنه يستهدف إنشاء صندوق مملوك لهيئة قناة السويس ونص فى إحدى مواده على «تمكين هيئة قناة السويس من القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما فى ذلك مساهمة الصندوق بمفرده أو مع الغير فى تأسيس الشركات، أو فى زيادة رءوس أموالها، والاستثمار فى الأوراق المالية، مع تمكين الصندوق، من شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها».
ربما تكون صدفة أن يطرح مشروع هذا القانون بالتزامن مع ذكرى مناسبة قومية ارتبطت بكفاح المصريين دفاعا عن حق مصر فى استرداد ملكية القناة التى حولها الاستعمار إلى دولة داخل الدولة، لكن ردود الفعل الغاضبة، ومهما حاولت الحكومة التأكيد على أن صندوقها لا يستهدف المساس بالمجرى المائى للقناة من قريب أو بعيد، تظهر مدى يقظة المصريين بشأن رمز من رموزهم الوطنية التى لا تقبل التفريط، فهى وكرامتهم صنوان لا ينفصلان.
لقد كانت، وستظل، قناة السويس مفتاح النصر وبوابة للهزيمة، ومن هنا تأتى حساسية المصريين تجاه القناة التى رفض محمد على شقها فى أرض مصر خشية أن تكون دافعا للقوى الأوروبية فى الاستيلاء عليها، وهو ما تم بالفعل فى نهاية المطاف، وجلبت استعمارا دام لعشرات السنين، قبل أن يهب المصريون جيشا وشعبا لاسترداد استقلالهم الوطنى واستعادة القناة لحضن أحفاد من حفروها بالعرق والدم فى ظروف قاسية.
ربما أرجأ مجلس النواب الموافقة النهائية على مشروع قانون صندوق هيئة قناة السويس لحين من الوقت، وربما يتم التغاضى عنه أو دفنه إلى الأبد، فى ضوء ردود الفعل الشعبية الرافضة، لكن ما يجب الوقوف عنده هو أن الأزمات الاقتصادية يجب عدم حلها بالاقتراب من مسافة تعد لعبا بالنار فى حقل قش ذات يوم صيفى حارق.
والأفضل رفع شعار «دع قنالى» فى حالها، فلا يزال المصريون، على اختلاف أجيالهم، يتذكرون كلمات الشاعر والمناضل كمال عبدالحليم التى غنتها الراحلة فايدة كامل من ألحان على إسماعيل خلال العدوان الثلاثى عام 1956 وكانت تذاع بكثافة فى العديد من المناسبات الوطنية حتى وقت قريب، والتى يقول مطلعها:
«دع سمائى فسمائى مُحرقةْ
دع قنالى فمياهى مُغرِقةْ
واحذر الأرض فأرضى صاعقة».