معرض الكتاب مطالب بالاحتفال بهذا الكتاب
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 26 ديسمبر 2023 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
أظن أن معرض القاهرة الدولى للكتاب مطالب فى دورته المقبلة بتنظيم ندوة حول مذكرات الأستاذ محمد فايق نظرا لأهميتها الشديدة. ولا تأتى أهميتها من أهمية المناصب التى شغلها الرجل فقط، بل من روحه الانسانية النادرة، ومن قدراته الفذة على التعبير الدقيق عما عاشه من خبرات نادرة دون التورط فيما يسمى بـ«حرب المذكرات». درس فايق فى الكلية الحربية وانتقل بعدها إلى جهاز المخابرات، ثم كلف بتولى رئاسة مكتب عبدالناصر للشئون الأفريقية، كما عين وزيرا للخارجية عام 1970، وتولى كذلك وزارة الاعلام فى أواخر عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وكان أحد أهم الأسماء التى تم اعتقالها فى قضية مراكز القوى فى 15 مايو 1971
ويؤكد أصحاب الخبرة فى هذه القضية أنه الوحيد الذى لم يتردد فى رفض عرض الإفراج عنه بعد نصف المدة بشرط كتابة اعتذار للسادات.
وعقب خروجه من السجن تولى تأسيس أول منظمة عربية لحقوق الإنسان وهى التى لعبت دورا مهما فى مواجهة الطغاة الذين أفرزتهم حركة التحرر الوطنى وبالاضافة لذلك عمل فى مجال النشر وأسس دار المستقبل العربى التى كانت راية من رايات التنوير ونشرت أعمالا بالغة الأهمية لرموز مثل لويس عوض وعلى الراعى ولطيفة الزيات ومحمود أمين العالم وصنع الله إبراهيم ورضوى عاشور وجمال الغيطانى. وتكشف المذكرات التى صدرت عن مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت بعنوان (مسيرة تحرر.. مذكرات محمد فايق) الكثير من خبراته فى الشئون العربية والأفريقية، كما تظهر دوره فى تطوير وكالة أنباء الشرق الأوسط.
وقدم لها الدكتور أحمد يوسف أحمد الأستاذ بكلية العلوم السياسية والعلامة الكبير فى مجال الشئون العربية مؤكدا اعتزازه بهذا التقديم حيث تكشف المذكرات الكثير من المعلومات المهمة حول دور مصر فى قيادة حركة التحرر الأفريقى والعربى وأظن أن جميع ما يرد فيها يمكن أن يساعد صانع القرار فى الوقت الحالى ويعين فى تأمل مسار الدولة المصرية فى وضع بالغ التعقيد. يقول الدكتور يوسف فى مقدمته «لا أعتقد أن الأفارقة أحبوا رجلا أبيض كما أحبوا محمد فايق»، ويشير فايق لظروف ميلاده بمدينة المنصورة وهى واحدة من أجمل المدن المصرية وكانت ذات نزعة كوزموبوليتانية يرى فايق أنها قد استقرت داخله فى صورة إيمان راسخ بقيمة التعددية ومعنى التسامح.
ويسجل الكتاب سنوات تأسيس أول جهاز للمخابرات فى مصر وأساليب العمل على توسيع الدور المصرى فى أفريقيا ويكشف فايق مغامراته فى التجوال بين بلدان كثيرة بجواز سفر غير مصرى، لمواطن لبنانى باسم منتحل هو عادل إلياس فايز، سهل له مهمة الانتقال بين أكثر من دولة أفريقية.
ويعطى فايق مساحة واسعة لتفاصيل العلاقات مع السودان وإثيوبيا خلال عهد عبدالناصر ويركز على الأسباب التى حولت الإمبراطور هيلا سيلاسى من العداء إلى الصداقة لكى تضمن مصر حصتها من مياه النيل، وهى خبرة بالغة الأهمية فى السياق الحالى. ويسرد كذلك خلفيات الصداقة التى جمعته بزعماء حركة التحرر الوطنى فى العالم وزعماء حركة عدم الانحياز مثل نيلسون مانديلا، الذى أصبح فيما بعد رئيسا لجنوب أفريقيا، وكوامى نكروما أول رئيس لغانا بعد استقلالها، وأنديرا غاندى التى تولت رئاسة وزراء الهند، وسيريمافو باندرانايكا التى رأست حكومة سريلانكا، وفيدل كاسترو رئيس كوبا السابق، وإرنستو جيفارا القائد الثورى فى كوبا.
ولا يمكن لقارئ المذكرات أن يتخلص من رغبته فى مقارنة الماضى مع الحاضر، بالذات فى مجال الاعلام فقد تولى الرجل إصلاح المنظمة الاعلامية بعد هزيمة 1967، ومحاولاته فى إعادة بناء مصداقيته والرهان على الدور الثقافى والفنى باستقبال شعراء المقاومة الفلسطينية والفنانين العرب من أمثال المطربة اللبنانية فيروز.
كما يتحدث عن خطة عمل الدولة المصرية لضمان التأثير فى الدول العربية والعمل المشترك مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى حفلات المجهود الحربى.
ويسجل الوزير السابق شهادته على عهد السادات ويقدم عدة معلومات مهمة فى هذا الشأن كاشفا أنه فكر مع عدد من القيادات فى الاستقالة بسبب الخلاف مع السادات على تقدير العلاقة مع الولايات المتحدة وشاه إيران. ويؤكد أنه اتخذ قرارا بإذاعة الاستقالات رغم أن إذاعتها كانت ستغضب الرئيس حتما، كما هو معروف فقد اتهم السادات المستقيلين بالتآمر وضم إليهم أسماء أخرى. ويكشف فايق كيف تعامل مع الوقت فى السجن وحرصه على التعامل مع الوقت وتأليف كتابه الأول (عبدالناصر والثورة الأفريقية) وعلى الرغم من الإفراج عنه بعد سنوات، عاد فايق إلى السجن فى سبتمبر 1981 مع أكثر من 1500 من الكتاب والمفكرين والسياسيين والمثقفين الذين أفرج عنهم الرئيس مبارك الذى كلفه أيضا بمسئوليات مهمة لتعزيز العلاقات العربية، مع الدول التى قادت مقاطعة مصر بعد كامب ديفيد وخلفيات اللقاء مع الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات ودعوته للعمل مع مصر من جديد. وينهى فايق مذكراته بشرح ظروف العمل فى مجال حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه طرح على نفسه سؤالا عقب سجنه «بشأن طبيعة النظام السياسى الذى يسمح بالتجاوز فى حق مواطنيه» وكذلك ظروف قبوله رئاسة المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر بعد رحيل الدكتور بطرس غالى الأمين العام للأمم المتحدة وكلها أمور تدعو للتفكير وهى الميزة المنتظرة من أى كتاب.