سيدات الحب وحاملات الوجع
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 27 مارس 2022 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
لا يمكن إلا أن تقف احتراما لهن.. هن أولئك البشر الجالسون فى قلب كل العواصف الطبيعية منها والبشرية، والذين كلما أرهقتهم الحياة وكسرتهم الظروف قاموا يلملمون ما انكسر وتبعثر ويسيرون من جديد.. هن يرسلن التنهيدة وراء التنهيدة خوفا من أن يختزن الحزن بداخلهن فيخرج فى شكل صرخة.. هن من سقطت أحلامهن الواحدة خلف الأخرى فكلما بدا أنهن أقرب إلى حلمهن الصغير والمتواضع جدا، شيدت جسور لتبعدهن عن ذاك الحلم.. كلما تحولت أيامهن إلى كومة من الألم الباقى فى بطن القلب لا ينزاح منه رغم أنهن يضحكن أحيانا كملجأ للاستمرار والبقاء والقبضة على الأمل!
• • •
قالت لى: «هذا الصباح تعبت عينى من كثرة الدمع، هرولت نحوهن أبحث عنهن فى هذه الزاوية أو تلك أو ربما فى ذاك الجزء من الذاكرة ربما فى محاولة للتزود ببعض الحلم والصبر.. هن فتحية وفاطمة وصبرية كوليت وجورجيت وسبيكة و.. و.. و.. كثيرات هن يختلفن كثيرا عن بعضهن البعض ويتوحدن فى فن الصبر والنهوض بعد كل كبوة أو سقطة.. هن من قست عليهن الحياة والقوانين والأعراف وحتى الأهل والقبيلة وأقرب المقربين ورغم ذلك لم تستطع قسوة الحياة أن تسرق كم الحب بداخلهن والأمل الذى تشع به أعينهن وكثيرا من الفرح الذى هو لم يكن أو هو مجرد حلم ليلة قمرية، ومع ذاك بقينا رافعات الرءوس ماضيات فى واجباتهن ومهماتهن الحياتية الصغيرة منها والكبيرة. يبقى أكثر ما يميزهن هو تلك القدرة على رسم ابتسامة ليست صفراء أبدا، والقلب يخزن الحزن حتى امتلأ به.
• • •
تقول هى «قتلتنا الحياة ولكنها لم تدفنا تحت التراب»، ويرددن هن ولكن تاريخنا كله وأد للبنات حتى صدقنا أنه هو مادة فى التاريخ تدرس ثم تنسى أليس هو ماضيا بعيدا؟ بقينا فوق التراب «يعافرن» الصباحات والليالى الصعبة فكل واحدة تجرى خلف رزق لها ولكثيرين آخرين غيرها فيما هم يبحثون عن تكديس المال والملذات وحتى الفرح!!! حتى صدقت هى أو هن أنهن عنوان لـ«نكد» زوجات وأخوات وصديقات وحتى بعض الأمهات أحيانا رغم أن مجتمعاتنا تدعى أو تتشدق بتقديس الأم. أليست الأم أنثى وامرأة أيضا؟ كما هى الزوجة والأخت؟ أم أن النساء أصناف ودرجات؟
• • •
هى حاملة التعب والحزن المعتق فى أجساد كل أفراد أسرتها وهى أيضا من تمسح بقلبها دموعهم وتنثر الفرح عندما تستطيع وكثيرا من الياسمين فى أيام من حولها حتى وهى منكسرة ومنهزمة.. هى المطلوب منها أن تبقى صامدة فتظل الأسرة والمجتمع ماضيين فى طريقهما.. هى التى لم يسمح لها أن تخط الحرف حتى لا تكتب رسائل الغرام كما قالوا وعندما ضاقت السبل بالعائلة طلبوا هم منها أن تخرج لفضاء كان بعيدا عنها وحكرا لهم وأن تصارع النهارات الطويلة وتتعلم مهنة لتضع وجبة غذاء على مائدة عائلتها الصغيرة والكبيرة.. هى التى عندما قرر الرجال أن يحملوا السلاح هنا أو هناك – وهم فى ذلك كثيرون فى منطقتنا – بقيت تطرز الأمل فى بحار من الحزن والدم وتردد لأطفالها وجيرانها بأن الشمس ستشرق يوما دون أن يصاحبها الخوف من الموت أو الدمار، وأن ذاك المنزل بدفء جدرانه سيعود ليأويهم ويحميهم من برد وعراء وجوع وتعود الياسمينة لتسكن حوش المنزل الصغير.. هن نساء هذه الأوطان المتعبة المحتلة منها والتى تنهشها النزاعات والحروب وأخريات فى مدن لم تعرف القذيفة ولكنها عرفت كيف أن النساء فى أوطاننا كلهن محض تفاصيل لهن وهن كل العيش والحب بل هن ومنهن يبدأ وينتهى الوطن.. اسمعوا تنهيداتهن ولا تظنوا أنها تنهيدات الحب العفيف بل ربما هى صرخة مكتومة فى الصدور.. ربما هن كما قيل منذ زمن.. صديقات السهر، سيدات الحب، حاملات الوجع وتاج الصبر.