الظلام يحل على كابول

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الثلاثاء 27 أبريل 2021 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

نشر مركز بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب جوشكا فيشر تناول فيه مخاطر انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والكوارث الإنسانية التى ستنتج عنه... نعرض منه ما يلى:

إن الدراما الأفغانية تقترب من نهايتها أو على أقل تقدير بالنسبة للجيوش الغربية. فبعد عقدين من الزمان بالضبط من هجوم القاعدة على مركز التجارة العالمى فى مدينة نيويورك فإن من المفترض أن آخر القوات الغربية سوف تغادر أفغانستان فى الأول من سبتمبر 2021 بشرط أن يلتزم الرئيس الأمريكى جو بايدن بالجدول الزمنى الذى أعلنه. كان يجب أن تنتهى الحرب فى وقت من الأوقات، ولكن بعد كل هذه الدماء التى سفكت والأموال التى أنفقت فإن الكثيرين يتساءلون ما هى الإنجازات التى تحققت إن وجدت.

على الرغم من إضعاف الحرب لشبكة القاعدة الإرهابية فإنه لم يتم تدميرها. لقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من تعقب وقتل زعيم الجماعة أسامة بن لادن وطرد طالبان من كابول، ولكن خارج العاصمة ومناطق قليلة أخرى فإن طالبان أقوى من أى وقت مضى وهى تستعد لاستعادة السلطة عندما تغادر القوات الغربية.

لم تتم هزيمة الإرهاب الإسلامى المتطرف سواء عسكريا أو أيديولوجيا وما يزال يشكل تهديدا مستمرا للغرب. وبعد كل هذه السنوات ما تزال أفغانستان تفتقد لهياكل حكم مستقرة قادرة على التصدى للإرهاب المحلى والفساد وتجارة المخدرات ناهيك عن إعطاء الأفغان الأمل بمستقبل يعم فيه السلام والرخاء. من المحتمل أن يصبح الاستقرار الإقليمى أكثر هشاشة بعد الانسحاب الغربى مقارنة بالوضع الحالى.

يجب أن لا نخدع أنفسنا فانسحاب القوات الغربية هو عبارة عن هزيمة سيكون لها عواقب إنسانية دراماتيكية، فبالنسبة للشعب الأفغانى سوف تستمر الحرب. إن العودة المحتملة لطالبان ونهجهم الإسلامى الذى يعود للعصور الحجرية سوف يدفع النساء والفتيات مجددا لارتداء البرقع بالإضافة إلى حرمانهن من حقوقهن الإنسانية كما سوف تحاول مجموعات كبيرة من الأفغان المتعلمين بشكل جيد من المناطق الحضرية الهرب إلى الغرب. أما أولئك الذين سيبقون فى البلاد فسوف يواجهون مصيرا كئيبا مع معظم الأقليات الإثنية والدينية.

يتساءل المرء ما إذا كان الاتحاد الأوروبى والناتو مستعدين بحق لما قد يحصل. إن الانسحاب منطقى من الناحية العسكرية فالغرب لا يوجد لديه ما يكسبه فى أفغانستان، ولكن من الناحية الإنسانية والأخلاقية فإن الغرب يقترب من كارثة متوقعة والاتحاد الأوروبى على وجه الخصوص يجب أن يتوقع تدفقا هائلا للاجئين يذكرنا بلاجئى القوارب الفيتناميين الذين سعوا لإيجاد ملاذا لهم فى الغرب بعد الانسحاب الأمريكى من فيتنام.

***

إن الثمن الجيوسياسى سيكون مرتفعا كذلك، فكيف سوف تفسر المجموعات الإسلامية المتطرفة قبول الغرب للهزيمة؟ هل سوف تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للإرهاب مجددا كما كان عليه الحال بعد نهاية الحرب الباردة وانسحاب ما كان يعرف بالجيش الأحمر؟ وبالنسبة إلى خارج منطقة آسيا الوسطى فهل من الممكن أن تستجيب روسيا والصين لهذا الضعف الغربى الملحوظ بمزيد من العدوانية تجاه أوكرانيا وتايوان على التوالى؟

لقد أشار بايدن فى رسالته الافتتاحية إلى أن «أمريكا قد عادت» ولكن خسارة مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بعد رئاسة دونالد ترامب لا يمكن عكسها بتلك السهولة. فعملية استعادة مكانة أمريكا فى العالم سوف تأخذ وقتا ويمكن أن تؤدى إلى حسابات خاطئة خطيرة من قبل أعداء الولايات المتحدة ومنافسيها.

أما فى أفغانستان فإن نهاية الوجود الغربى الطويل الأمد سوف يخلق فراغا فى السلطة سوف تسعى القوى الإقليمية المتنافسة لملئه. إن العشرين سنة الماضية لم تكن تتعلق فقط بأمريكا وحربها على القاعدة وطالبان فبالنسبة لباكستان فإن الحرب كانت دوما تتعلق بحماية حديقتها الخلفية ضد عدوها اللدود الهند. إن الإرهاب هو أداة مهمة ضمن الجهود الباكستانية وهذا يفسر لماذا كانت سياستها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية مبهمة للغاية، فباكستان من ناحية سمحت للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام موانئها وأراضيها من أجل تزويد القوات الأمريكية فى أفغانستان بالمؤن ومن ناحية أخرى قدمت الباكستان ملاذا آمنا للإرهابيين الإسلاميين بما فى ذلك بن لادن والكثير من قادة طالبان.

وفى الوقت نفسه، سعى النظام الإيرانى منذ فترة طويلة لحماية الشيعة الأفغان وحدوده الشرقية وذلك بالمحافظة على وجود له فى غرب أفغانستان. إن لدى القوة الأكبر والأوسع انتشارا فى المنطقة «الصين» مصالح كبيرة فى البلاد بما فى ذلك مصالح جيوسياسية وأخرى تتعلق بالموارد. الطبيعية وبالإضافة إلى كونها مركزا تجاريا محتملا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، فإن علاقة أفغانستان الوثيقة بباكستان يمكن أن تصبح أكثر أهمية الآن بعد أن اشعلت الصين مجددا نزاعها الحدودى فى جبال الهيمالايا مع الهند.

***

بينما ساعد الوجود الغربى فى أفغانستان على احتواء تلك الصراعات فإن من المرجح أن انسحاب الغرب سيكون له تأثيرا معاكسا، فالصين سوف تحاول أن تفرض نفسها كخليفة أمريكا فيما يتعلق بالهيمنة الإقليمية ولكن مدى قدرة الصين على التعامل مع برميل البارود هذا بشكل أفضل من السوفيات أو الأمريكان هى قضية أخرى وإن كانت هناك أسباب جيدة تدعونا لأن نشكك بإنها تستطيع تحقيق ذلك.

إن مأساة أفغانستان أو على الأقل منذ القرن التاسع عشر إنها كانت وبشكل مستمر موضع اهتمام وتركيز مصالح القوى الكبرى، فمنذ مرحلة مبكرة كانت أفغانستان نقطة خلاف رئيسية بين الامبراطوريتان البريطانية والروسية فى تدافعها من أجل الوصول لوسط وجنوب آسيا وبعد ذلك فى القرن العشرين وجدت أفغانستان نفسها فى مرمى نيران الحرب الباردة وذلك عندما غزاها السوفيت سنة 1979.

بعد الانسحاب السوفيتى سنة 1989، انزلقت البلاد إلى خضم حرب أهلية وأصبحت قاعدة لمجموعات مثل القاعدة بينما عززت طالبان من قبضتها على السلطة وبعد 11 سبتمبر 2001 انقضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيون على البلاد، وباختصار فإن أفغانستان فى خضم حروب لمدة نصف قرن ولا يوجد سبب يدعونا للاعتقاد أن معاناتها سوف تنتهى قريبا.

لا يوجد بديل مستقر للوجود العسكرى الغربى فى أفغانستان. إن تاريخ 12 سبتمبر 2021 لن يجلب عالما أفضل وأكثر أمانا. بل على العكس من ذلك فإن الانسحاب الغربى سوف يؤدى فى نهاية المطاف إلى كارثة إنسانية. سوف يكون الشعب الأفغانى أول من يعانى ولكن من شبه المؤكد أنه لن يكون الأخير.

 

النص الأصلى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved