صحفيون عرب فى ألمانيا غارقون فى الماضى
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
السبت 27 يونيو 2015 - 10:35 ص
بتوقيت القاهرة
أكثر من خمسين صحفيا وإعلاميا عربيا تجمعوا الأسبوع الماضى، فى مكان واحد لمدة أربعة أيام متواصلة فى مدينة بون الألمانية لحضور المنتدى الإعلامى الدولى السنوى الذى أقامته مؤسسة دويتشه فيللا، وإطلاقها قناة إنجليزية جديدة وتحديث خدمتها العربية.
فى اللقاءات والندوات وورش العمل وحفلات العشاء وحتى خلال زيارة بعض الأماكن السياحية مثل جولة بالباخرة فى نهر الراين كان العرب ينهمكون فى نقاشات ومجادلات لا تتوقف عن واقعنا الذى نعيشه منذ اندلعت الثورة التونسية فى منتصف ٢٠١١ وحتى هذه اللحظة.
للأسف الشديد الغالبية كانت شبه يائسة من ثورات الربيع العربى أو بالأحرى من الحالة التى انتهى إليها مصير هذه الثورات وما أدت إليه من نتائج وتداعيات.
الزملاء الإعلاميون من اليمن وليبيا وسوريا لم يتمكنوا من الحضور بسبب الأوضاع الكارثية فى بلدانهم، لكن بعضا منهم حضر ممثلا لصحف تصدر فى بلدان أخرى خصوصا الخليج. ولفت زميل ليبى انتباه كل الحضور حينما تحدث عن تجربته فى تغطية الحرب الأهلية المندلعة هناك، والثمن الباهظ الذى يدفعه المواطنون العاديون، وقال لزميلين من مصر وتونس: «احمدوا الله أن لديكم دولة وأمنا نسبيا وحياة عادية وإمكانية للسفر إلى الخارج».
كان هناك إعلامى زميل من قناة الجزيرة، تحدث فى لقاء الإعلاميين العرب مع مسئولى دويتشه فيللا مطالبا بالتعامل الإعلامى الطبيعى مع ما يسمى «تنظيم الدولة الإسلامية» باعتباره أمرا واقعا، فى هذه اللحظة هبت عليه ثورة غاصبة من الجميع خصوصا المصريين الذين ذكروه بأن اسم التنظيم هو داعش وليس «الدولة الإسلامية». الزميل فى الجزيرة ــ وهو ليس مصريا ــ يصر على أن ما حدث فى مصر فى ٣٠ يونيه هو انقلاب، قال له زميل أردنى: «يا أخى كل المصريين باستثناء الإخوان يعتبرونه ثورة، فلماذا لا تتركهم فى حالهم؟!».
زميل مصرى آخر قال إنه شارك فى ثورة ٢٥ يناير ووقع على استمارة تمرد وخرج فى مظاهرات ٣٠ يونيه، لكنه يرفض الاعتقالات والانتهاكات الرهيبة التى ترتكبها قوات الأمن بحق المعارضين حسب قوله.
فى أثناء عودة المجموعة العربية من زيارة لمدينة كولون إلى بون احتدم النقاش داخل عربة القطار السريع، حينما قال صحفى عراقى إنه من دون القضاء على الطائفية، فلن يكون هناك أى مستقبل للعرب، وأيده فى ذلك إعلامى لبنانى مسيحى يرى أن المنطقة ستظل تدفع ثمن التناحر الدينى ولن تتقدم إلا إذا طبقت النموذج الأوروبى وفصلت الدين عن الدولة، وفى هذة اللحظة تدخل إعلامى متعاطف مع تيار الإسلام السياسى قائلا: إن ذلك لن يحدث لأن الإسلام دين ودولة خلافا للمسيحية.
فى كل لحظة كان يتجمع فيها أكثر من ثلاثة عرب كان الخلاف رابعهم، صحفى عراقى انتقد داعش وممارساتها، فرد عليه إعلامى جزائرى ولماذا لا تنتقد أيضا بنفس القدر ممارسات الميليشيات الشيعية التى ارتكبت فظائع شديدة فى المناطق السنية التى كانت تسيطر عليها داعش؟!!.
الملاحظة الجوهرية أن النقاشات كانت كلها تدور بصوت مرتفع يصل إلى الصراخ أحيانا، ومعظمها يتعلق بالماضى فى بلد هو ألمانيا لا يفكر إلا فى المستقبل، وكل طرف يصر على وجهة نظره ولا يريد أن يسمع الآخر.
قلت لبعضهم إننا نتناقش بمنطق المشجع الزملكاوى الذى يناقش الأهلاوى ليغير انتماءه أو العكس، ومنطق السنى الذى يسعى بكل الطرق لإقناع الشيعى ليصبح سنيا أو العكس، وننسى أن هذا الصراع مستمر تقريبا منذ أكثر من ١٤٠٠ عام، وبالتالى علينا أن نتوقف عن هذه الطريقة العبثية، ونبحث عن طرق أخرى لإدارة حياتنا وبصورة متحضرة. وأن نقتنع أن الله خلق الدنيا بأكملها مختلفة وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتحارب، ولو شاء الله لجعلنا أمة واحدة أو مذهبا واحدا.
ورغم كل الخلافات فإنه فى نهاية الرحلة تبادل الجميع القبلات والأحضان على الطريقة العربية التى نشاهدها كثيرا فى مؤتمرات القمة أو اللقاءات داخل الجامعة العربية.