يمكن إذا صدقنا نمشى فى صفهم
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 27 يونيو 2023 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
بخلاف سلبياتها الكثيرة التى نعانى منها جميعا فقد أتاحت لنا صفحات التواصل الاجتماعى فرصا كثيرة لاكتشاف أسماء كثيرة تحمل هم هذا البلد وتسعى مخلصة لاستنهاض قواه.
وبحكم اهتمامى بالعمل الثقافى فقد لاحظت أنه فى ذروة اليأس من أداء الكثير من مؤسساتنا الثقافية تلمع الكثير من نقاط النور المتمثلة فى بعض المبادرات الثقافية المستقلة التى يقف خلفها أفراد لا يملكون سوى الأمل فى تحسين الأحوال سعيا لتحقيق العدالة الثقافية بعيدا عما تلوكه وسائل الإعلام التى تطفح بعبارات إنشائية، تفتقر إلى التأثير على أرض الواقع.
والميزة الأهم فى المبادرات التى تابعتها بفرح كبير أنها تعتمد على أعمال تطوعية بالكامل ويتصادف أحيانا أن تقف خلفها أسماء درست فى دبلوم التنمية الثقافية الذى خصصته كلية الآداب جامعة القاهرة للتغلب على مشكلات نقص الكادر الثقافى المؤهل وقد تابعت جهود الأصدقاء الدكاترة عماد أبوغازى وسلمى مبارك وسعيد المصرى والمرحوم د. شاكر عبدالحميد لتأسيس هذا الدبلوم وتخطى عقبات كثيرة.
واليوم أتابع على قدر ما أستطيع نجاحات بعض الخريجين فى إطلاق مبادرات جادة فى بعض القرى أو المواقع التى تشكو نقص الخدمات الثقافية، وآخرها على سبيل المثال مبادرة آيات عبدالدايم فى قرية جروان بالمنوفية، وقد احتفلت الأسبوع الماضى بمرور عام كامل على إطلاقها. وتدون آيات بشكل متواصل يوميات تجاربها وظنى أنها تساعد كثيرا فى تأمل السياق العام الذى تعمل فيه.
وبالمثل أتابع بعض الجهود الأخرى التى نجح أصحابها فى التواصل مع الإعلام مثل هيثم السيد صاحب عربة الحواديت الذى ينشط بشكل لافت للتعريف بأدواره وما يقوم به.
وتحظى محافظة مثل المنيا بمبادرات كثيرة جديرة بالاهتمام ونعرف تاريخيا حجم التأثير التاريخى لجمعية (الجزويت) هناك أو ما تقوم به جماعة (تنويرة) منذ عدة سنوات وتنشط مجموعات أخرى شبيهة فى القصير أو سوهاج وقوص وفى دشنا التى أعرفها أكثر من غيرها لأن أصولى العائلية تعود إلى هناك.
وتسمح لى صفحات فيس بوك بأن أتابع بانبهار شديد مبادرة اسمها روضة عبدالرحيم العلمية التى أسسها أحد رجال التعليم إحياء لذكرى ابنه الذى توفاه الله فى مطلع شبابه وكان معيدا فى إحدى كليات الفنون.
وتنظم هذه المبادرة مسابقات ورحلات ومعارض كتب قديمة وجديدة واستطاعت تأهيل بعض المنتسبين لها للفوز بمراكز أولى فى مسابقة كبرى مثل (تحدى القراءة) وكذلك نجحت جمعية (أهل الخير) هناك فى استضافة عروض لمسرح العرائس فى القرى والنجوع فضلا عن أنشطة كثيرة تستهدف الوصول لمن يعجزون عن الخروج من قراهم.
لا أعرف غالبية أصحاب تلك المبادرات ولم ألتقِ بأغلبهم لكنى أتابعهم بفرح كبير وأتمنى أن تتاح لهم الفرصة للاستمرار فى واقع بيروقراطى شديد الصعوبة ومناخ عام محبط كما أتمنى أن يأتى علينا اليوم الذى نستطيع فيه امتلاك حصر واضح بأعدادها ومعرفة المجالات التى تعمل فيها لكى نتمكن أولا من امتلاك خريطة ثقافية لمصر تساعد فى إدراك قيمة ما نملك من قوى بشرية ومن فرص لاستثمار ثقافى ناجح لا يقوم على أى شكل من أشكال التجريف أو الإزالة.
الأمر المؤكد أن امتلاك خريطة من هذا النوع يساعد كثيرا فى القيام بتحليل بيانات شبه دقيقة حول خيارات ورغبات الجمهور المتفاعل مع تلك المبادرات ويسمح بالتالى برسم وتوجيه برامج السياسات الثقافية على نحو صحيح.
وإلى أن يحدث ذلك علينا أن نفرح بهؤلاء وندعم جهودهم بكل ما نستطيع رافعين شعار عبدالرحمن الأبنودى القائل (ما تمنعوش الصادقين عن صدقهم / ولا تحرموش العاشقين من عشقهم / كل اللى عايشين من بشر من حقهم / يقفوا ويكملوا / يمشوا ويتكعبلوا / ويتوهوا أو يوصلوا / وإذا كنا مش قادرين نكون زيهم / نتأمل الأحوال، ونوزن الأفعال / يمكن إذا صدقنا نمشى فى صفهم).