فض الاشتباك فى المشهد المصرى
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الأحد 27 يوليه 2014 - 9:00 ص
بتوقيت القاهرة
أصبح معتادا فى مصر أن تقع حادثة إرهابية هنا أو هناك يقع جنود الجيش أو الشرطة أو كليهما ضحية لها، فنجد حملة شعواء تتهم أنصار الديمقراطية وحقوق الإنسان بالتحيز ضد الجيش وأنهم لا يذرفون الدمع إلا على التيارات التى يؤيدونها خلسة (فى إشارة على ما يبدو إلى الإخوان المسلمين)، أصبح طبيعيا فى مصر أن يطالب البعض بإبعاد المؤسسة العسكرية عن الشأن السياسى، فيتم اتهامه بمعاداة الجيش والسعى لإسقاط الدولة، كما أنه ليس من المستغرب الأن أن يدعو أحدهم لنصرة أهل غزة ضد جرائم الحرب التى يرتكبها جيش الاحتلال بشأنهم فيواجه بسيل اتهامات أنه من داعمى حماس وهكذا.
أصحاب هذا النوع من الهجوم ليسوا مجرد مواطنين عادين أخطأت بوصلتهم السياسية فى الحكم على الأمور ولكنهم أيضا قادة رأى من خبراء وأكاديميين وحزبيين وصناع قرار مما يستلزم فى رأيى وقفة لفض الاشتباك فى قضايا عديدة ملتبسة فى المشهد السياسى المصرى، لأنى لا أعتقد أن طريق التقدم والازدهار فى مصر يمكن أن يبدأ وهذا الكم من الاشتباك موجود فى بيئتها:
•••
• أولا: فض الاشتباك بين الانقلاب والثورة، أعلم أن الموضوع حساس وهو موضع للمزايدات من هنا وهناك، لكن لابد من فض هذا الاشتباك، قامت ثورة على رئيس فاشل، استغلتها أجهزة الدولة للقضاء على جماعة الرئيس خصمها التاريخى اللدود، وتم انقلاب ناعم على الرئيس المنتخب بشروط وعهود قطعها على نفسه ثم انقلب عليها هو الآخر، هذه هى روايتى ويحق لأى شخص أن يختلف معى ويراها ثورة كاملة أو انقلابا مكتمل الأركان، المهم أن نتجاوز هذا الجدل التاريخى.. إن كنت تعتبرها ثورة فعليك أن تقف مع نفسك وتقيم إن كانت بالفعل طبقت ما نادت به، وإن كنت تراها انقلابا، فعليك أن تسأل نفسك لماذا أضاع رئيسك صاحب الشرعية الفرصة تلو الأخرى حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، قراءة واقعية للمشهد المعقد لفك التباسه أفضل وأوقع من البكاء أو التحيز للقصص الأحادية الساذجة التى ترى الدنيا مجرد حكاية طفولية للخير ضد الشر.
• ثانيا: فض الاشتباك بين الدولة والنظام، إذ لا يعقل ولا يقبل أن يتورط أكاديمى أو مثقف فى الخلط بين الكيانين، الدولة بالتعريف البسيط هى الأرض والشعب والحدود والسيادة، أما النظام فهو كيان مستقل يتكون من مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية وأحزاب سياسية وجماعات ضغط ومصالح يجمعها إطار قانونى ودستورى، من حق أى شخص أن ينتقد النظام، مادام انتقاده موضوعيا، وحتى لو كان النقد لاذعا وحتى لو وجه إلى رأس الدولة، هذا أبسط حقوق المواطنة ولا شأن له بهدم الدولة أو تعطيل عجلة الإنتاج إلى آخره من شعارات جوفاء لا تعكس سوى عقلية استبدادية بامتياز. ومن ناحية أخرى فلا يقبل أن يبدى البعض سخرية واضحة بل وشماتة أحياننا من استشهاد جنودنا وأفراد الشرطة فى هذه الحادثة أو تلك، لا تبرير أو تفهم لمثل هذه المشاعر الشاذة أبدا.
• ثالثا: فض الاشتباك بين الجيش والسياسة، فالمنادون بإبعاد الجيش عن السياسة لا يسعون لإسقاط الجيش ولا يخربون الوطن ولا يريدون للمؤسسة العسكرية مصيرا مماثلا لبعض دول الجوار، بل العكس تماما هو الصحيح، دخول رجال الجيش فى لعبة السياسة هو الخطر بعينه لأن السلطة فتنة، والأضواء قاتلة، والسياسة مقامرة كبيرة، من المنطقى أن رجال الجيش لديهم عقلية مختلفة عن المدنيين كونوها عبر سنوات وعقود من تواجدهم داخل المعسكرات فى حياة صارمة ليس بها استهتار أو «دلع»، وولوجهم إلى عالم السياسة من ناحية يجعلهم يعالجون الأمور بأساليب أمنية بحتة دون بعد سياسى وهى الطريقة التى أثبتت فشلا ذريعا فى مصر على مدى العقود الماضية، ومن ناحية أخرى يجعلهم عرضة للنقد اللاذع مما يهز من هيبتهم وهيبة المؤسسة أمام المواطنيين، وهو أخيرا يكون نافذة لتسييس الجيش وتفتيته إلى أجنحة بينها صراعات وتنافسات وكلها أمور ننأى بجيشنا عن الوقوع فيها.
• رابعا: فض الاشتباك بين مكافحة الإرهاب وتصفية الحسابات السياسية، فلا يستطيع أحد عاقل أن ينكر أن مصر تتعرض لعمليات إرهابية مفزعة، بعض هذه العمليات يبدو عشوائيا، لكن البعض الآخر يظل معبرا عن تدبير عال ودعم لوجستى وراءه قوى منظمة، هنا لابد أن نضع النقاط فوق الحروف بلا إفراط ولا تفريط، فيظل الإرهاب إرهابا وأى تبرير أو تعاطف معه تحت أى شعار أو ظروف أو حجج مرفوض، كما أنه لا يجوز توجيه الاتهام إلى هذا الطرف أو ذاك قبل أن تأخذ منظومة العدالة دورتها الكاملة حتى إدانة أو تبرئة المتهمين، مشكلتنا إذا أننا ومع كل عملية إرهابية نتسرع بتسييس القضية للتخلص من خصومنا من هذا الاتجاه أو ذاك بدلا من الوقوف على المتهميين ومحاكمتهم وتحميل صناع القرار مسئوليتهم السياسية عن تكرار وقوع مثل هذه الهجمات، فلا إرهابا حاربنا ولا سياسة كسبنا اذا.
• خامسا: فض الاشتباك بين الإصلاح والهدم، إذ يحلو للبعض اتهام من ينادى بإصلاح الداخلية أو غيرها من المؤسسات الحكومية العطبة بأنه يريد هدم هذه المؤسسات ومن ثم هدم الدولة، وهنا لنا وقفة، فعلى المؤمنين بثورة يناير والتغيير والإصلاح عن حق أن يدركوا أن مصر بلا إصلاح ستظل تدور فى حلقات مفرغة من العنف والارهاب وعدم الاستقرار، وفى نفس الوقت فإن هذا الإصلاح لا يعنى الهدم التام كما يردد البعض، ففى ظل ثقافة الدولة المركزية، وفى ظل الظروف الإقليمية والداخلية، فالهدم التام لن يؤدى إلى الإصلاح بل قد يؤدى إلى انهيارت تامة فى الدولة (لا النظام)، فاتباع منهج إصلاحى أو هيكلى لإعادة ترتيب هذه المؤسسات العطبة والمشاركة بقوة فى القمع وانتهاك حقوق الانسان على مدى السنوات الماضية هو وحده من يضمن تحقيق أهداف الثورات على الأقل فى الظروف السياسية الحالية.
• سادسا: فض الاشتباك بين العدو والخصم والحليف، ففى السياسة والعلاقات الدولية لا حليف دائم ولا عدو دائم، لكنى مثلا لا يمكن أن أتفهم أن يعتبر البعض أن حماس هى العدو وليست إسرائيل! ربما يعتبر النظام المصرى (لا الدولة) أن حماس هى خصم سياسى، هذا جائز ومفهوم، أما أن يحرض البعض لاعتبارها هى العدو الذى يجب اجتثاثه وأن إسرائيل هى الصديق الذى يقوم بمهمة التخلص منه هذه فهو اعتبار فاشى وفاقد لأدنى مبادئ واعتبارت الأمن القومى، فضلا عن أنه يعبر عن خلل فادح فى منظومة الاستقبال، فإسرائيل سلطة احتلال وحماس حركة مقاومة قد نختلف أو نتفق معها ولكن تظل مقاومة ونقطة من أول السطر!
•••
• وأخيرا فلابد من فض الاشتباك بين المؤامرة وحقائق العمل السياسى، فهذا التيار الذى يعتبر أن كل حركة أو تصريح أو تلميح هنا أو هناك هو مؤامرة كونية على مصر لا يفهم تعقيد المشهد ويدفع بقصد أو بدون إلى اتباع سياسات دفاعية محافظة بحجة مواجهة هذه المؤامرة المزعومة، نعم العمل السياسى به مؤامرات، لكن إعطاء المؤامرة وزنها الحقيقى دون إفراط أو مبالغة هو وحده الكفيل بالالتفات لحل مشكلات مصر الداخلية لا العكس.
• ندعم دولتنا بكل قوة ونحلم بها فى مصاف الدول المتقدمة ونسعى إلى استقرارها وأمنها، ونترحم على جميع شهدائها من الجيش والشرطة والشعب الأعزل، لكن ولتحقيق هذا فإننا نسعى لبناء دولة حرة لا جمهورية خوف، تراعى التعددية والمواطنة وحقوق الانسان والحرية والديموقراطية معتبرة كل ذلك عناصر فى تحقيق الأمن القومى المصرى بمعناه الأشمل، وحتما سنصل يوما ما إلى هذا الطريق أو على الأقل هكذا أتمنى.