مصر.. والأولمبياد
محمد عبدالمنعم الشاذلي
آخر تحديث:
السبت 27 يوليه 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
انطلقت فى باريس، يوم الجمعة الماضى، النسخة الثلاثون للألعاب الأولمبية، وهى مناسبة عالمية سامية للتنافس الشريف بين الشباب فى مجال الرياضة. والألعاب الأولمبية محفل قديم بدأ فى اليونان فى عام 776 ق.م واستمر حتى عام 393 ق.م. كانت طقسا دينيا مقدسا يقام على شرف زيوس- كبير آلهة الإغريق- فى مدينة أوليمبيا على سفح جبل الأولمب المقدس، حيث اعتقد الإغريق أنه موطن الآلهة.
ولعل الإغريق كانوا من أكثر الأقوام امتنانا للياقة البدنية وتناسق الجسم البشرى، وعبر عن ذلك الفنان الإغريقى القديم، إذ من أبدع الأمثلة على ذلك تمثال Ermes الذى نحته الفنان Praxiteles فى القرن الرابع ق.م، ويمثل فى أدق وأروع صوره التفاصيل التشريحية للجسم البشرى، ولأنهم أدركوا أن الرياضة هى الطريقة لتخفيف كمال وجمال الجسم، فمجد الفنان الرياضة بأعمال مثل Discobolus أو رامى القرص ورامى الرمح من إنتاج الفنان Myron فى القرن الرابع قبل الميلاد، كما كانت أكاديمية Agoge فى إسبرطة تعد الشباب للياقة البدنية والنفسية فى مدينتهم.
بعد انقطاع دام أكثر من ألفى عام أعاد النبيل الفرنسى البارون Pierre de Coubertin إحياء الألعاب الأولمبية فى عام 1896، وانعقدت الدورة الأولى الحديثة فى أثينا عرفانا بمكانتها التاريخية.
اختلفت الألعاب الجديدة عن الألعاب التاريخية فى نواحٍ عديدة منها أن المتنافسين القدامى كانوا يخوضون الألعاب وهم عراة، وأيضا فى مشاركة النساء التى كانت محظورة قديما، وبدأت مشاركة النساء اعتبارا من أولمبياد باريس التى وقعت فى عام 1900، كما توسع عدد الألعاب فى المنازلات عن الألعاب الأصلية، لم يكن العدو والقفز ورمى القرص ورمى الرمح والمصارعة والملاكمة والخماسى وحتى سباق الماراثون الذى يمتد تاريخه إلى زمن الإغريق من ضمن السباقات الأصلية لكنه دخل منذ الأولمبياد الأولى فى عام 1896 للرجال، ثم للنساء اعتبارا من أولمبياد لوس أنجلوس فى عام 1984. وتم تحديد المسافة الرسمية للسباق بـ 42 كيلومترا و195 مترا فى أولمبياد لندن فى عام 1908 وهى المسافة بين بداية السباق فى قلعة وندسور واستاد وايت حيث ينتهى، وهى تختلف عن المساحة الأسطورية التى جراها البطل الأثينى Philipedes من أثينا إلى إسبرطة فى عام 490 ق.م لطلب المساعدة فى صد هجوم فارسى، وقُدرت المساحة التى جراها بـ26 ميلا.
إنه مهرجان شبابى هام أدركت مصر أهميته، فأنشأت فى مدينة الإسكندرية فى عام 1910 اللجنة الأولمبية المصرية على يد الثرى ذى الأصول اليونانية أنجلو بولاناكى والأمير عمر طوسون. وشاركت مصر لأول مرة منذ أولمبياد ستوكهولم فى عام 1912 بلاعب واحد هو أحمد حسنين باشا فى سلاح الشيش. وتألق نجم مصر مضيئا فى أولمبياد أمستردام فى عام 1928 عندما فازت بميداليتين ذهبيتين حققهما سيد نصير فى رفع الأثقال، وإبراهيم مصطفى فى المصارعة، وميدالية فضية وأخرى برونزية حققهما فريد سميكة فى الغطس.
• • •
شعرت بحزن شديد عندما تابعت تصريحات فى الإعلام وفى وسائل التواصل الاجتماعى تنتقد مشاركة مصر ببعثة كبيرة فى أولمبياد باريس ويصرحون بروح انهزامية محبطة بأن البعثة ستذهب وتعود دون أن تحقق الميداليات التى تبرر المصروفات الكبيرة التى تتكبدها البلاد، غير واعين بأن الألعاب الأولمبية محفل دولى ترتفع فيه راية مصر منذ أكثر من مائة عام، وأن الميداليات على أهميتها إلا أنها ليست المعيار الوحيد للمشاركة الناجحة، فإن التأهل للمشاركة فى الأولمبياد وحده شرف كبير، وهناك معايير وأرقام مؤهلة للمشاركة، وعدد المشاركين هو عنوان للياقة وتألق الجيل الشاب فى الدولة، ومن يتحدثون عن شعار التمثيل المشرف باستحقاق لعلهم لا يدرون ما حققه خضر التونى فى أولمبياد 1936 فى برلين عندما أنجز رفعته الأسطورية وهو يهتف «يا أم هاشم» التى جعلت الآرى العنصرى أدولف هتلر، يهتف له ويسعى لمصافحته. لعل ذلك كان أقيم من الميدالية الذهبية التى حققها.
ومن ينسى التقدير والإعجاب الذى حظى به البطل، محمد رشوان، فى أولمبياد لوس أنجلوس سنة 1984 عندما رفض أن يستغل إصابة غريمه، فضحى بالميدالية الذهبية وحصل على الفضية ليؤكد أن الرياضة أخلاق قبل أن تكون ميداليات، وبعيدا عن مصر من ينسى فريق كرة القدم اليابانى فى مباريات كأس العالم عندما ركض المدرب إلى جانب المدرجات الذى يشغله الجمهور اليابانى وانحنى بخشوع اعتذارا عن عدم تحقيق آمال الجماهير فى الفوز، ثم انتقلت الكاميرات إلى غرف تغيير الملابس لنرى اللاعبين ينظفون الغرفة قبل المغادرة، ما هو حجم التقدير والإعجاب الذى أثاره هذا السلوك رغم خسارة الكأس؟
ظلت الرياضة مكونا أساسيا وهاما من مكونات القوة الناعمة لمصر فمن ينسى الدعاية المبهرة التى حققها تماسيح النيل فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، عبداللطيف أبو هيف، وعبدالمنعم عبده، وعبدالباقى حسينى، وعبلة خيرى، ونبيل الشاذلى، الذين احتكروا بطولات سباق المسافات الطويلة، وكم كنا نمكث بجانب الراديو فى انتظار نتائج سباقات المانش وسباقات سباحة المسافات الطويلة فى كابرى نابولى وغيرها، ونفرح ونهلل لفوزهم. كم مرة رفع أبطال العالم فى كمال الأجسام عبدالحميد الجندى، ومحمد مكاوى، وأنور العماوى، والشحات مبروك، علم مصر؟
فى فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات انقسم العالم العربى إلى أهلاوية وزملكاوية إعجابا بلاعبى كرة القدم فى مصر، وبعد وصول فريقنا فى كرة اليد إلى المربع الذهبى كنا نلتم لتشجيعه فى مبارياته ويزداد أملنا بأنه سيحقق البطولة قريبا.
الرياضة هى ترويض الأجسام بالمران الجاد والانضباط الشديد لإخضاع الجسم لإرادة اللاعب ليحقق جزءا من الثانية فى سباقات السرعة، وسنتيمترات قليلة فى سباقات الوثب، أو كيلو جرام فى مسابقات الأثقال، ومن يصل بنفسه إلى هذه الدرجة من الإرادة والقدرة لابد أن يظل إنسانا ناجحا فى حياته يقود مسيرة التحدى والإنجاز لبلده ويرفع رايتها عاليا فى كل المجالات.
دعواتى وثقتى وتحياتى إلى شبابنا من الرياضيين ومدربيهم وإداريى البعثة، وثقتى فى أنهم سيرفعون راية مصر عالية ويشرفونها بأدائهم ويعودون لنا منصورين حاملين العديد من الميداليات.
عضو المجمع العلمى المصرى