موعد مع القدر
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 27 سبتمبر 2019 - 11:25 م
بتوقيت القاهرة
من المهم دوما التعرف على حقيقة ما كان يحدث فى السينما المصرية، ولا شك أن ميزة مشاهدة الأفلام هى معرفة ما خلفها من حقائق، وقد اكتشفت مثلا بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم «موعد مع القدر» إخراج محمد راضى 1986، أنه بمثابة اعادة انتاج للفيلم القديم «سجى الليل» الذى أخرجه هنرى بركات عام 1948، وهو من تأليف يوسف جوهر الذى لم يذكر قط أن فيلمه الجديد هو نفس الفيلم القديم، وأن الباحثين فى الأفلام لا يشاهدون ولا يقرأون فقد مر الأمر بدون أن ينتبه أحد إلى هذا الأمر باعتبار أننا أمام أديب كبير كان يعتمد احيانا لتقديم الروايات المصرية، مثل «دعاء الكروان» وأيضا «الحب الضائع» وهو الأديب الذى لم يكن يذكر قط اسماء المصادر الأجنبية فى أفلامه مثلما فعل مع «سجى الليل»، وبالتالى «موعد مع القدر»،
ورغم العلاقة الحميمة التى ربطتنى دوما بالاستاذ يوسف جوهر، فإن واجب الباحث أن يقول الحقيقة، وأعترف أننى لم أعرف الامر الا بعد مرور ساعة على مشاهدتى فيلم محمد راضى بساعة على الأقل، والسبب فى هذا بالطبع هو اسلوب المخرج، فهو يميل إلى عمل افلام طويلة فى المدة الزمنية لعرضها، ولا أتصور بالمرة أن أيا من افلامه اقل فى مدة عرضه عن الساعتين، ومنها فيلم «موعد مع القدر» حيث إن هناك الكثير من الحكايات الاضافية والشخصيات الجانبية فى حياة الأبطال الرئيسيين، حيث إن الفيلم الاساسى يدور فى عالم الأطباء، فالبطل الرئيس هو طبيب يعمل فى الجراحة، وخاصة فى الأمراض الخبيثة، وهو يقع فى حب ابنة مدير المستشفى، أما الرجل الثانى الذى سوف يتزوج من حبيبة الطبيب المريض بمرض لا شفاء منه فهو الصديق المقرب، وقد أضاف فيلم محمد راضى شخصيات رئيس مثل الممرضة إلهام التى سوف تعتنى بالمريض وتقع فى غرامه، وتحتفظ بسره خاصة عن الفتاة التى تحبه، وهناك فى الفيلم الثمانينى قصص كثيرة مضافة مثل حكاية الموسيقار الضرير فتحى الذى يحب جارته زينب.
الأساس فى القصة أن الطبيب مدحت عائد من لندن وقد انغمس فى ابحاث متقدمة حول العلاج الذرى لمرض السرطان فنكتشف أنه صار مريضا بالمرض نفسه الذى يعالج منه مرضاه، وفى الفيلم حوار تعليمى بين الدكتور مدحت ومدير المستشفى يخبره أنهما كطبيبين كان عليهما إخبار زوجة المريض الذى مات بطبيعة مرض رجلها، وانه يحب أن يكون هناك فى وثيقة الزواج ما يشير إلى طبيعة مرض أحد الطرفين، وأن على الرجل ابلاغ زوجته بما ينتظرها، ومن هنا فإن الدكتور مدحت يقرر الابتعاد عن خطيبته، وهو فى الوقت نفسه يلعب لعبة غير انسانية على الممرضة إلهام التى تكن له الحب قبل سفره للدراسة المتخصصة فى بريطانيا، وكانت هناك مشاعر قد تنامت بين الطبيب ونادية ابنة الدكتور أدهم، حتى اذا كانت العودة استيقظت المشاعر الثلاثية وتمت خطبة مدحت ونادية، وراح الاثنان يقومان بتدبير المنزل الجديد، حتى بدأت أعراض المرض تظهر على مدحت فقرر ان يخفى سره، وترك الفرصة لصديقه الباحث الزراعى أن يتقرب من نادية ويتزوجها.
هذه قصة يوسف جوهر ومن حقه أن يضيف اليها أو يغير من مصائر ابطالها، لكنه لم يتمكن قط من ابعاد شبح النهاية الحتمية بالنسبة للطبيب الذى اصابه المرض اللعين، أى أن المخرج فى كلتى الحالتين عليه أن يجعل الطبيب يموت وسط كل من أحبوه، وفى الفيلم القديم فإن زوج المرأة يأخذها إلى حبيبها فى لحظاته الأخيرة بالمستشفى وتركهما معا يتبادلان الوداع، وهو المشهد الذى يؤكد أننا امام أجواء عالمية، وأن القصة غير مصرية، كما أن الفيلم القديم انتقل بالاحداث إلى أسوان، أما فيلم محمد راضى فقد انتقل بالعاشقين إلهام ومدحت للاقامة فى لندن، مثلما حدث بالضبط للزوجين فى فيلم آخر هو «أيام فى الحلال» وقد جسد الشخصيات هنا أيضا محمود ياسين، ونبيلة عبيد.
أغلب الظن أننا امام فيلم عن حالة الدكتور مدحت، وأنه يعيش فى مركز بؤرة الاهتمام من جميع الشخصيات التى حوله
حسب منظور يوسف جوهر فإن قصص أفلام الاربعينيات تصلح أيضا لمشاهدى سينما الثمانينيات مع اضافة المزيد من التفاصيل، واللطيف أن كاتب السيناريو هنا قد ظل يكتب للسينما قرابة نصف القرن، وعلى حد علمى فإن هذا هو الفيلم الوحيد الذى أعاد كتابته، بما يعنى أن محمود يس كان بالفعل أنسب من يعيد أدوار عماد حمدى، لكن فى رأيى الشخصى أن القامتين كانتا متباينتين، وهناك فرق ملحوظ بين محمود المليحى فى الفيلم القديم وبين جلال الشرقاوى فى دور الأب.
هنا كانت الشخصية الرئيس فى النساء هى يسرا ثم نبيلة عبيد، وقد تألقت كل منهما فى دور الحبيبة، وقد احتاج الدكتور مدحت إلى المرأتين كل فى مرحلة، لكن المؤلف انتبه إلى أن الحبيبة الأولى يجب أن تحضر الوفاة، فى فيلم تكفى كآبته المرء ان يراه مرة واحدة، وقد تجاهل الفيلم الحقيقة الطبية حول الغيبوبة المتواصلة أو المتقطعة التى يمر بها المريض قبل الوفاة، وكان المشهد مؤثرا للغاية، وكما أشرنا فإن الكثير من المشاهدين يميلون إلى رؤية مثل هذا الفيلم باستمتاع ملحوظ.