مشكلة الطاقة وخطورتها
محمد زهران
آخر تحديث:
الجمعة 27 سبتمبر 2024 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
نحن نستخدم التكنولوجيا فى جميع مناحى حياتنا الآن، من أجهزة تليفون ذكى محمول إلى أجهزة تابلت إلى أجهزة لابتوب، حتى عندما نتصفح الإنترنت فإننا نستخدم (حتى دون أن ندرى) أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة تدير وسائل التواصل الاجتماعى ومواقع بيع المنتجات مثل أمازون. ننبهر بالتقدم العلمى وننغمس فى استخدامنا للتكنولوجيا وقد نخاف قليلاً على إتاحة معلوماتنا على الإنترنت لتلك المواقع، ولكن قضى الأمر، أصبحنا أسرى للتكنولوجيا. هناك عامل قد لا نلتفت له وهو أن كل تلك الأجهزة تحتاج للطاقة كى تعمل. الأجهزة المحمولة تحتاج إلى بطارية والأجهزة الكبيرة تحتاج إلى مصدر أكبر للطاقة يأتى فى الغالب من شبكة توزيع الكهرباء فى كل المدن، بل وهناك اتجاه إلى استخدام الطاقة النووية لتغذية تلك الأجهزة العملاقة التى نسميها الحاسبات فائقة السرعة) تكلمنا عنها فى مقال الأسبوع الماضى. (
تحدثنا عن مصادر الطاقة وعن العلاقة بين الطاقة وأجهزة الكمبيوتر فى مقالين منذ عدة سنوات، لكن الأمور تتطور بسرعة فى القرن الواحد والعشرين، وموضوع الطاقة يطل برأسه بين الحين والآخر خاصة وهناك تخوف من البطاريات وهل ممكن أن تنفجر من تلقاء نفسها أو عن طريق اختراق سيبرانى للأجهزة التى تعمل بها البطاريات. مقالنا اليوم يتحدث عن موضوع الطاقة سواء المتولدة من البطاريات أو تلك التى تغذى الحاسبات فائقة السرعة.
...
سنة 2019 شهدت فوز الثلاثى جون جودينف (John Goodenough) وستانلى ويتنجهام (M. Stanley Whittingham) وأكيرا يوشينو (Akira Yoshino) بجائزة نوبل فى الكيمياء على إسهاماتهم فى تصميم بطاريات الليثيوم ايون (lithium-ion). هذا النوع من البطاريات هو الأكثر شيوعًا فى أغلب الأجهزة الكهربائية الحالية. ما هى الأسباب التى جعلت تلك النوعية من البطاريات بهذه الأهمية لدرجة أن يحصل مصمموها على جائزة نوبل وأن تستخدم فى السواد الأعظم من الأجهزة؟ هناك عدة أسباب:
• تخزن الطاقة بسعة أكثر من الأنواع الأخرى.
• عمرها الافتراضى أكثر من الأنواع الأخرى.
• شحنها يأخذ وقتًا أقل من الأنواع الأخرى.
• إذا تُركت دون استخدام بعد شحنها فإنها تخسر شحنتها على مدى زمنى كبير مقارنة بالأنواع الأخرى.
نستنتج من كل ما سبق أن تلك البطاريات آمنة الاستخدام إلى حد كبير وإلا ما كان لها هذا الاستخدام الواسع. هذا صحيح، ولكن لنكن حذرين.
...
سنة 2016 اضطرت شركة سامسونج إلى استرجاع ملايين من أجهزة التليفون الذكى المحمول المسمى جلاكسى نوت 7 على خلفية اندلاع النيران فى بطاريات عدد من تلك التليفونات. سنة 2018 شهدت سيارات تسلا موديل اس اندلاع النيران فيها بعد حادث، وسيارة تسلا أخرى موديل 3 اندلعت فيها النيران وهى متوقفة فى ساحة انتظار السيارات فى شنجهاى. كل تلك الأجهزة تستخدم نوع البطاريات الليثيوم ايون. فماذا حدث؟
هذه الحوادث وغيرها معناه أن تلك البطاريات قد تنفجر أو تشتعل بها النيران، لكن كيف يحدث ذلك؟ بدون الدخول فى مصطلحات علمية كثيرة فإن ذلك قد يحدث لأحد الأسباب التالية:
• أن ترتفع درجة حرارة البطارية جدًا.
• عيوب فى التصنيع (حادثة تليفونات سامسونج) أو تخريب متعمد أو غير متعمد (مثل حادث السيارة تسلا) يودى إلى مرور التيار بسرعة كبيرة (short circuit) داخل البطارية مما يسرع جدا العمليات الكيميائية داخلها.
• استخدام تيار كهربى لشحن أعلى بكثير مما صممت له البطارية، وهذا يحدث عند استخدام شواحن مقلدة أو بها عيوب.
هذه كله قد يؤدى إلى انفجار محدود للبطارية أو انبعاث غازات خطرة على الصحة، لكن لا نستطيع أن نقول إن هذا الحريق أو الانفجار يعادل قنبلة مثلاً، إنه محدود أكثر لكنه قد يؤدى إلى جروح خطيرة أو حتى الوفاة فى بعض الحالات. إذا يمكننا القول إنه إذا لم تكن هناك عيوب فى التصنيع ولا توجد مشاكل فى شحن البطارية بالطاقة ولا وضع التليفون المحمول فى مكان حار جدًا لمدة طويلة ولا توجد مشكلة فى برمجيات التليفون أو أى جهاز محمول فإن تلك البطاريات لن تندلع بها النيران.
ماذا عن أجهزة الكمبيوتر العملاقة؟ هذه قصة مختلفة تمامًا.
...
انتشار الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته له تأثير كبير على الطاقة بالسلب وبالإيجاب.
استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعى المعروفة بتعليم الآلة (machine learning) يستلزم خطوتين: التعليم أو التدريب ثم الاستخدام. الخطوة الأولى تحتاج إلى أجهزة كمبيوتر عملاقة وفائقة السرعة. الخطوة الثانية لا تحتاج إلى ذلك، وهو ما يفعله الكثيرون عند استخدام برنامج مثل (chatGPT). نأتى إلى النقطة الهامة: تدريب نسخة الـ (chatGPT) مثلاً المعروفة بـ(chatGPT-4) تحتاج إلى طاقة يمكنها إنارة خمسين منزلاً فى أمريكا لمدة قرن. استهلاك الطاقة له ثمن مادى، فتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعى الأكثر تعقيدًا اليوم يتكلف مائة مليون دولار، وكلما أصبحت البرمجيات أكثر تقدمًا والبيانات متوافرة بكثرة فإن التكاليف قد ترتفع للمليارات. ليس هذا فقط، أنت عندما تستخدم تلك البرمجيات على جهازك فإن جهازك يرسل السؤال إلى أجهزة عملاقة تجهز الإجابة وترسلها لك، تلك العملية تتكلف مالاً لأن استخدام تلك الأجهزة العملاقة يستهلك طاقة. الطاقة اللازمة للإجابة على سؤال تتكلف من حوالى ألفين من الدولارات إلى أكثر من مائتى ألف حسب تعقيد السؤال. تخيل عدد الأشخاص الذين يخاطبون تلك البرمجيات فى اليوم. هناك تكاليف ضخمة سواء فى تدريب الآلات أو الاستخدام حتى إن تقرير فى مجلة الإيكونومست تساءل مؤخرًا إذا كان من الممكن تحقيق أرباح من تلك البرمجيات.
الوكالة الدولية للطاقة وجدت أن أجهزة الكمبيوتر العملاقة استهلكت حوالى 2% من الطاقة المتولدة فى العالم سنة 2022 وأن هذا الرقم مرشح للزيادة إلى 4% مع حلول 2026 ما لم يحدث تقدم فى تصميم وبرمجة تلك الحاسبات. مع ذلك لا يجب أن ننسى أن تلك الحاسبات العملاقة وبرمجيات الذكاء الاصطناعى تساعد فى إدارة شبكات الطاقة وبالتالى تساعد على ترشيد الطاقة وتقليل الفاقد والحد من الأعطال.
إذا مثل أى تكنولوجيا هناك جانب إيجابى وجانب سلبى، نركز هنا على الجوانب المتعلقة بالطاقة. هل يفوز الجانب السلبى على الإيجابى؟ أم العكس؟ هذا يعتمد على الذكاء البشرى، فلننتظر ونرى ماذا سيقول العلماء وكيف سيتصرف العامة وكيف سترد الطبيعة.
...
ما طرحناه فى مقال اليوم فتح الباب للكثير من الأبحاث العلمية والمهارات الفنية التى يجب أن تتبناها جامعاتنا حتى يشب الجيل الجديد وهو فى مقدمة صانعى التكنولوجيا وليس مستهلكيها. هذه بعض النقاط على سبيل المثال فقط:
• البرمجة مع أخذ استهلاك الطاقة فى الاعتبار، البعض يظن أن مشكلة الطاقة مشكلة لمصممى الحاسبات فقط، لكن البرمجة لها يد فيها أيضا.
• مواد تعليمية تشمل البرمجيات وتصميم الحاسبات معا وليس أحدهما على حساب الآخر.
• هل المواد التى ندرسها بها آخر ما وصل إليه العلم؟
العالم كله يتصارع على الطاقة ومصادرها واستخداماتها، والمنافسة ستشتد فى المستقبل القريب، فهل نحن مستعدون؟