طب المستقبل

سامح مرقص
سامح مرقص

آخر تحديث: السبت 27 سبتمبر 2025 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

يقف الطب على أعتاب مرحلة تحول غير مسبوقة، مدفوعًا بالتطورات المذهلة فى الذكاء الاصطناعى، وتقنية النانو، والعلاج الجينى، والكمبيوتر الكمى، والتقدم المدهش فى الهندسة الحيوية. وأى عضو تالف سيُستبدل ببساطة بعضو جديد يُصنّع فى المختبر من خلايا المريض نفسه.


سيوفر طب المستقبل علاجات مُصممة خصيصًا لكل فرد بناءً على خصائصه الجينية، والقدرة على تحديد موقع أى تلف فى الجينوم الشخصى الذى يضم 22,000 جين. يستطيع الذكاء الاصطناعى والكمبيوتر الكمى تحليل كميات هائلة من المعلومات لاكتشاف المتغيرات والطفرات الجينية المسببة للأمراض.


ستتيح تقنية الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد إنتاج أعضاء بشرية مثل القلب والكبد باستخدام خلايا المريض نفسه، وهذا سيقلل من مشكلة نقص المتبرعين وخطر رفض الجسم للعضو المزروع. يساعد الذكاء الاصطناعى الأطباء فى مختلف التخصصات من خلال تحليل بيانات المرضى بدقة، مما يساعد على اكتشاف الأمراض فى مراحلها المبكرة، كما أنه قادر على اقتراح أفضل خطط العلاج.


فى مراكز طب الأسرة، يُنفّذ الذكاء الاصطناعى مهام روتينية لتخفيف الأعباء الإدارية ودعم خطط التشخيص والعلاج، لا سيما فى إدارة الأمراض المزمنة مثل داء السكرى. يستطيع الذكاء الاصطناعى مراجعة العديد من تقارير المرضى وفحوصاتهم التشخيصية، وإعداد ملخص للتقارير السابقة، وتنبيه الأطباء إلى أى مخاطر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعى تحديد التفاعلات الدوائية وتشخيص بعض المشاكل الصحية مثل أمراض الجلد، والتمييز بين التغيرات الحميدة والسرطانية.


• • •
فى مجال علم الأورام، يفتح الذكاء الاصطناعى آفاقًا جديدة ومهمة لتحسين إدارة مرضى السرطان وتشخيصهم، وتوصيف الجينات المسئولة، وتقييم العلامات الكيميائية الحيوية، واكتشاف أدوية وعلاجات جديدة من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات العلمية. كما يُساعد على مراقبة صحة المريض عن بُعد وبشكل مستمر باستخدام سوار المعصم ومتابعة سجله الطبى الإلكترونى. كما يُصمّم التجارب الإكلينيكية للعلاجات الحديثة.


وفى المستقبل، سيمكن تشخيص السرطان من خلال المراحيض الذكية التى تحتوى على أجهزة استشعار للكشف عن الخلايا السرطانية فى البول والبراز، قبل سنوات من ظهور الورم. وسوف ينتشر استخدام العلاج التشخيصى (Theranostics) الذى يجمع بين التصوير التشخيصى والعلاج الموجّه باستخدام مواد مشعة لتحديد مواقع الخلايا السرطانية ثم توجيه الإشعاع العلاجى إليها مباشرةً. وسوف يفتح هذا النهج الطريق أمام تطوير علاجات جديدة للسرطان باستخدام مواد مماثلة للمواد المشعة ولكنها تتمتع بخصائص علاجية للقضاء على الخلايا السرطانية مع تجنب إتلاف الأنسجة السليمة.


ويلعب الذكاء الاصطناعى أيضًا دورًا مهمًا فى تحليل الاختبارات التشخيصية مثل فحوصات التصوير المقطعى والتصوير بالإصدار البوزيترونى، ويساعد فى الكشف المبكر عن سرطان الثدى من خلال تحليل الصور التشخيصية واكتشاف الأورام السرطانية الصغيرة التى لا يمكن رؤيتها بالعين البشرية. تركز الاتجاهات المستقبلية على دمج علم الأمراض والأشعة وعلم الجينوم والسجلات الإكلينيكية، مما يسهل على الأطباء علاج المرضى بكفاءة ودقة.


فى مجال «علم الأورام الدقيق»، يدمج الذكاء الاصطناعى كمًا هائلًا من بيانات المرضى ويعرضها بوضوح على الأطباء. يساعد هذا فى تحديد الجينات المسببة للسرطان واختيار العلاجات الأنسب بأقل آثار جانبية.


• • •
يساهم دمج الذكاء الاصطناعى فى التصوير الطبى فى التشخيص المبكر وتحسين الكفاءة من خلال تحديد أولويات الحالات وتمشيط السجلات الطبية الرقمية للحصول على المعلومات اللازمة لمساعدة أخصائى الأشعة فى التشخيص. ومع ذلك، ثمة مشكلة فى حساسية الذكاء الاصطناعى، إذ قد يؤدى ذلك إلى اكتشاف تغيرات دقيقة مجهولة الأهمية فى الصور التشخيصية، مما يُسبب قلقًا للمريض والطبيب المعالج، ويؤدى إلى متابعة مكلفة وغير ضرورية للتغيرات غير المهمة طبيًا. قد يُساعد التحليل الكمى لهذه التغيرات على التنبؤ بدقة بأهميتها واحتمالية الإصابة بورم خبيث.


تتيح تقنية النانو استخدام الجسيمات والروبوتات وأجهزة الاستشعار النانوية لتشخيص الأمراض مبكرًا وبدقة، وتوصيل الأدوية مباشرة إلى خلايا المريض، وإصلاح الأنسجة التالفة. تدعم المواد النانوية أيضًا نمو الخلايا الجذعية وتكوين الأنسجة وتجديد الأعضاء. فى المستقبل، قد تتمكن الروبوتات النانوية من إجراء جراحات على مستوى الخلايا وإصلاح التلف الجينى. ويمكن استخدام تقنية النانو لإجراء عمليات جراحية دقيقة للغاية، خاصةً فى المفاصل الصغيرة. وقد يتم إرسال روبوتات مجهرية داخل الجسم لتدمير الأورام أو تنظيف الشرايين، مما يقلل من الألم وفترة التعافى، ويزيد من فرص النجاح.


• • •
فى مجال طب العظام، ثمة تطبيقات واعدة فى العلاج بالخلايا الجذعية لإصلاح الغضاريف وتجديد الأقراص الفقرية. كما يمكن للطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد إنتاج هياكل عظمية دقيقة للغاية ومخصصة لكل مريض. وفى المستقبل، يمكن استخدام مادة لاصقة لربط العظام المكسورة فى دقائق.


يتمتع الكمبيوتر الكمى بقدرة هائلة على التعامل السريع مع كميات ضخمة من المعلومات بسرعة تتجاوز قدرات أحدث أجهزة الكمبيوتر التقليدية، وهو ما سيساعد العلماء على فهم الجهاز المناعى ووظائف المخ بشكل أفضل، بالإضافة إلى اكتشاف طرق جديدة للقضاء على البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من خلال تصميم أدوية جديدة داخل ذاكرة الكمبيوتر الكمى. وقد يوفر الكمبيوتر الكمى تحذيرات مبكرة عن ظهور أنواع جديدة من الفيروسات التى يمكن أن تسبب أوبئة عالمية، من خلال تحليل كميات هائلة من المعلومات من أجهزة استشعار الفيروسات فى أنظمة الصرف الصحى فى جميع أنحاء العالم.


يستطيع الكمبيوتر الكمى من خلال تحليل كمّ هائل من المعلومات الجينية اكتشاف أى طفرة جينية قد تؤدى إلى ظهور مرض سرطانى، وكذلك اكتشاف الجينات المسئولة عن الشيخوخة، والجينات المسئولة عن الصحة الجيدة لدى كبار السن، والجينات المسئولة عن جهاز مناعى قوى.


البروتينات هى أساس علم الأحياء، وتُكوّن أنسجة الجسم، وخاصةً العضلات والإنزيمات. تُساعد أجهزة الكمبيوتر الكمومية فى دراسة بنية جزيئات البروتين والأشكال الهندسية ثلاثية الأبعاد لهذه الجزيئات، والتى تُحدد وظائفها. وقد يتمكن الكمبيوتر الكمى مع الذكاء الاصطناعى من تحقيق الحياة الأبدية للبشر من خلال إنشاء نسخة رقمية من المخ.


الخلاصة
يقدّم هذا المقال لمحة عامة عن طب المستقبل دون الخوض فى التفاصيل العلمية الدقيقة المناسبة فقط للمتخصصين فى الطب والعلوم البيولوجية وخبراء علم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعى. ومع ذلك، يوضح المقال بعض الإمكانات الطبية المحتملة فى الخمسين عامًا القادمة، بما فى ذلك الكشف المبكر عن الأمراض وعلاجها عبر العلاج الجينى، واستخدام تقنية النانو، والطب الشخصى. كما سيساهم طب المستقبل فى إطالة عمر البشر والوقاية من أمراض الشيخوخة، مع احتمال تحقيق الخلود للإنسان من خلال إنشاء نسخ رقمية لمخ البشر فى الحواسيب الكمية.

أستاذ الأشعة التشخيصية السابق بجامعة شفيلد، إنجلترا

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved