الأمم المتحدة فى عيدها الثمانين
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 27 أكتوبر 2025 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
فى الرابع والعشرين من هذا الشهر أكملت منظمة الأمم المتحدة ثمانية عقود من الزمن. ٥١ دولة كان عدد الأعضاء عند الولادة، واليوم وصل العدد إلى ١٩٣ دولة. وبالطبع تطورت وتعددت مجالات اهتمام المنظمة الدولية وكذلك أدوارها، مع التحولات والتغييرات العديدة التى شهدها ويشهدها النظام الدولى منذ لحظة الولادة، وذلك على كل الأصعدة. مسار أو مسارات العولمة والتحولات التى أوجدتها على جميع الأصعدة حملت نتائج وتداعيات مختلفة من إيجابية وسلبية على المجتمعات والدول كافة وضمن هذه المجتمعات والدول أيضا فى القرية الكونية التى نعيش فيها كما يسميها البعض أو المدينة الكونية كما يسميها البعض الآخر: إنه التمييز بين هدوء القرية وضجيج أو صخب المدينة.
يمكن اختصار مهام المنظمة الدولية فى ثلاثية السلام والأمن والتنمية: مهام مترابطة ومتداخلة ومتكاملة بأشكال مختلفة ومتغيرة. مهام يزداد الترابط والتداخل بينها كل يوم. ويمكن اختصار وضع المنظمة الدولية اليوم بأنها تعانى من أزمة ثلاثية الأبعاد: أزمة ثقة بالدور المنوط بها وأزمة إمكانات متراجعة كل يوم فيما تزداد التحديات التى تستدعى ضرورة توفير المزيد من الإمكانات، وأزمة تتعلق بالنظرة إلى دور المنظمة الدولية. هذه الأخيرة يعبر عنها صعود سياسات الأحادية الحادة، التى لا تعطى أهمية أو تخفض من أهمية دور التعاون الدولى المتعدد الأطراف. أبرز نماذج هذه السياسة الأخيرة تتمثل فى مواقف وسياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
الأمين العام للأمم المتحدة أطلق فى مارس الماضى ما أسماه بمسارات عمل ثلاث لإصلاح المنظمة الدولية: أولها تحسين الكفاءة والأداء والتخلص من البيروقراطية، وثانيها إعادة تحديد ما يعرف بالتفويضات أو المهام المعطاة من الدول للمنظمة التى تحمل الأخيرة أعباء عديدة تشل أو تضعف دورها، ويكون ذلك من خلال تخفيض أو إعادة تعريف هذه المهام بغية دمج بعضها. المسار الثالث يتعلق بضرورة الإصلاح الهيكلى الشامل للمنظمة، التى تعانى ضمن ما تعانى منه ازدياد العجز المالى الذى يؤثر بشكل كبير فى فاعليتها وفى إمكانية الإنجاز فى مهامها المتزايدة وكذلك فى مصداقيتها.
المطلوب إطلاق ورشة إصلاح متعددة الأوجه والأبعاد حتى يتم إنقاذ المنظمة الدولية من تهميش وإضعاف دورها ومهامها المتزايدة. يستدعى ذلك فى ظل المقترحات العديدة التى صدرت فى تقارير وإعلانات إطلاق مسار إصلاحى شامل يؤدى أولا إلى وقف المزيد من التهميش لدور المنظمة الدولية من خلال معالجة واقعية لمصادر ومسببات هذا التهميش والتراجع فى الدور الفعلى والفعال للمنظمة الدولية. التعاون الدولى أمر أكثر من ضرورى ولمصلحة الجميع من دول ومجتمعات ولو أن لكل طرف مصلحة فى قضية معينة أكثر منها فى قضية أخرى. التعاون الدولى لا يمكن التعامل معه بشكل انتقائى أو موسمى حسب كل قضية ولو اختلفت الأولويات بين الدول، وهو أمر أكثر من طبيعى، بل من خلال مقاربة، تقوم على تعزيز أسس التعاون الدولى المتعدد الأطراف مع ازدياد التحديات والمخاطر الدولية التى تستدعى ذلك التعاون. من أولى مهام الإصلاح المطلوبة، العمل على إصلاح مجلس الأمن السلطة الرئيسية فى المنظمة الدولية. مقترحات وحوارات حول إصلاح مجلس الأمن انطلقت ــ بشكل قوى ــ منذ مطلع التسعينيات وهى تتعلق بزيادة أعضاء الدول دائمة العضوية لتعكس طبيعة النظام الدولى من حيث تركيبة النظام وبروز قوى دولية جديدة لم تكن فى ذلك الموقع فى لحظة التأسيس، قام عدد منها بالتحرك الدولى فى هذا الاتجاه. دول تمثل ثقلا خاصا وازنا فى الإقليم الذى تنتمى إليه وعلى الصعيد العالمى، خاصة مع تغير معايير القوة فى عالمنا اليوم. فلم تعد فقط القوة العسكرية أو القوة «الخشنة» وحدها من يحدد قوة دولة معينة بل صار أيضا إلى جانب ذلك ما يعرف «بالقوة الناعمة»: قوة الاقتصاد والتكنولوجيا والعلم. أضف إلى ذلك أيضا تعزيز التمثيل الإقليمى الوازن أو تمثيل مختلف القارات والأقاليم الجغرافية. يكون ذلك من خلال زيادة عدد الدول ذات العضوية الدائمة. من الأمور التى طُرحت وما زالت على طاولة «حوارات» التوسيع إعادة تعريف طبيعة استعمال حق النقض ليس عبر إلغائه بالطبع، وهو أمر غير ممكن بل عبر تقييد حق استعماله. من أجل إعطاء مزيد من المصداقية والفعالية لدور المنظمة الدولية. كلها أمور على الطاولة وهى أسيرة لصراعات القوى مما لا يسهل عملية حسمها ولكن وجودها يعكس الاهتمام بتطوير المنظمة الدولية، التى هى حاجة وضرورة دولية لمصلحة قيام نظام دولى جديد أكثر استقرارا ونموا وعدالة وبالتالى ازدهارا، الأمر الذى هو لمصلحة الجميع.
وزير خارجية لبنان الأسبق