فضاء بحجم جحر

خولة مطر
خولة مطر

آخر تحديث: الثلاثاء 27 نوفمبر 2012 - 12:50 م بتوقيت القاهرة

كلما أدرت رأسك صوب المكان وجدت شيئا من العنف ينتشر كالطاعون.. عنف من هنا ورصاص من هناك يستقر فى رأس أو عين أو قلب ذاك الشاب أو الشابة المسكونين بالحرية.. وسط سحب من الصفار المعلب فى شكل مسيل للدموع.. هو العنف الذى كلما حاولنا فهمه لم نجد إجابة سوى أن العنف لا يمكن أن يأتى إلا بمزيد من العنف وليس بالسلام أبدا.. كثر العنف مؤخرا بل ربما أصبح هو الجزء المكمل للصورة الكلية لمدننا ولكنه ليس أول عنف فقبله كانت هناك أشكال ممنهجة من العنف مسكوت عنها أو ربما مخفية.. بعضهم يخفيها لأنه الفاعل وهى تخفيها لأنها المفعول به الخائف من نظراتهم له ووصمهم لها بالعار وربط ذلك بشرف القبيلة والعائلة.. بل بشرف الذكور من العائلة!!!   

 

هى المتشحة بالسواد الساكنة فيه ومنه.. هى التى تقلصت فضاءاتها لتتحول إلى جحر يسمى غرفة أو شقة أو بيت يراد له أن يكون منزلا!!! عندما تتعدى الفضاءات المتاحة لها يقال لها باستطاعتك فعل ذلك ولكن عليك أولا أن لا تخرجى بهذا الجسد دون أن تغمسيه من الرأس حتى إخمص القدمين بوشاح هو بلون الليل الداكن.. وحين ينفرظ قلبها حزن على ابن او ابنة أو زوج أو أب أو أم أو أو كل من رحلوا بعيدا قبل أوانهم، رغم أنه لا أوان للموت، تغلف نفسها بالسواد وتغتسل بالدمع الدافئ وتصبح هى والسواد متلاصقين حد التوائمة... ورغم اتشاحها بالسواد الفضفاض  فهى الأخرى لم تنجوا من ملاحقتهم وتكرار فعل العنف الموجه ضدها ربما هو عقابهم لها أو ربما محاولة لعودتها الى نقطة الصفر والى عصر الحريم البائد!!!

 

هو العنف إذن الذى سكن مجتمعاتنا لسنين فلماذا نستغرب الآن إذ تحول من الغرف المظلمة وخلف أسوار البيوت العالية وفى نظرات عيونها الخائفة وهى تقيس المسافات الفاصلة بين بيتها ومكان عملها أو وجهتها ومقصدها.. نظراتها وهى تراقب تلك العيون الوقحة وهى تعريها أولا ثم ترميها بكلمة وما إن تنتهى من ذلك حتى تتمادى فتمد يدها كما هو حال كل الحرامية والسراقين.  

 

هى تفاجأت حتما عندما سمعت بأنها أصبحت موضوع جلساتهم ونقاشاتهم.. ركنوا كل الأمراض جانبا، أو وضعوها فى الأدراج حتى إشعار آخر فلا وقت لديهم لمناقشة الفقر الذى خرج من العشش والمقابر والعشوائيات ليستوطن الأحياء التى كانت أكثر قدرة وانفتاحا.. ولا للبطالة التى تأصلت بين الشباب حتى خنقتهم.. ولا للمرض ولا لكل الآفات الأخرى.. هم قرروا أن بامكان كل ذلك الانتظار بعض الشىء وأصبح الأهم الآن هو الإبحار فى جسد المرأة وهل أنه سبب آفات المجتمع وأمراضه؟؟!!!.. هى السبب إذن فى قيام زوجها أو أخيها أو حتى ابنها بضربها فى حرمة المنزل حتى البكاء دما.. وهى التى تدفع بذاك الرجل فى الشارع أو محطة المترو أو الأتوبيس لأن يحدفها بحرف أو كلمة أو حتى أن يمد يده ليسرق ملامسة لجزء خاص بها هى فقظ.. جزء من جسدها.. عندما سالتهم تلك الباحثة أى امرأة هى التى تتعرض لعمل مثل هذه الأعمال فى الأماكن العامة أو حتى الخاصة كانت إجابتهم واضحة وصريحة هى المرأة.. أى امرأة صغيرة أو كبيرة جميلة أو عادية، سافرة أو محجبة وحتى المنتقبات، تؤكد الدراسة والنساء فى مدننا أنهن أيضا عرضة للعنف سواء عبر نظرة أو كلمة أو لمسة.. كله عنف وكله ضدهن جميعا..

 

أطل علينا ذاك الذى يقول بأنه الأكثر إيمانا ومعرفة وبذلك قربا من الله.. قال إنها عندما تخرج من منزلها دون أى سبب فهى بذلك تطلب التحرش بها!!! وراح آخرون يهزون رؤوسهم معه بالموافقة وآخرون لا يعلنوها ولكنهم يرددونها فى قلوبهم وكثيرون لا يقولون بينما سمعوه فانتشروا فى الأرض بعيدا أفرادا وجماعات يقومون بفعل العنف نفسه الذى لا يحكمه قانون ولا يردعه رجل أمن ولا توقفه ثقافة مجتمع..!!!  هم يعاقبونها لأنها خرجت من الدائرة التى رسمت لها أو ربما يفرغون شحنة من مزيج من النظرة الدونية للمرأة وكثير من الجنس المركز فى عقل رجل!!!

 

هو العنف ذاته يبدأ من المرأة وينتهى عند الجميع فذاك الذى يضرب أو يعنف امرأته هو نفسه الذى سيتجول فى الشارع باسم محاربة الفوضى والحفاظ على الأمن والسلامة للوطن بل وأيضا الحفاظ على مكاسب الثورة.. ليتهم يتركون الثورة جانبا تشق طريقها بدماء زكية لا يعرفونها هم.. وليتهم يتعلمون أن كل عنفهم لن يوقفهن ويضعهن فى أقفاصهم الذهبية منها والحديدية.

 

تحتفل هيئات الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدنى والإعلام فى كل العالم باليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة ويبدأوا حملة كاملة من أجل ايقاف كافة أشكال العنف وقد احتفلت مصر ومعظم الدول العربية بهذا اليوم وبدأت الحملة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved