المصير المجهول لصناعة الصحف
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 27 نوفمبر 2016 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
قبل عام تقريبا كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة معتقدا أن الصحافة والإعلام فى مصر وصلا إلى مرحلة أزمة غير مسبوقة. ولم أكن أدرى أن القادم سيكون أسوأ مما تخيلناه.
أتحدث اليوم عن الصناعة وليس فقط عن الحريات، فالأخيرة حالها متغير ومتقلب، ولم نكن نعيش فى أجواء مثالية وكأننا فى الدنمارك أو السويد. حتى نتحسر على ما يحدث الآن.
أتمنى أن أكون مخطئا إذا وصلت إلى استنتاج بأنه فى حال استمرار الأحوال الحالية كما هى، فإن احتمال اختفاء صحف وفضائيات من الوجود ليس أمرا مستبعدا.
قبل ثلاثة اسابيع اجتمع مسئولو تحرير وإدارات الصحف، فى مقر جريدة الأهرام وتم الإعلان عن أن تعويم الجنيه المصرى مقابل العملات الأجنبية ،قد رفع سعر تكلفة طباعة الصحف إلى حوالى ٧٧٪. هذا الرقم يعنى أنه حتى لو رفعت الصحف سعر النسخة إلى ثلاثة جنيهات وهو أمر محتمل جدا، فلن تكون كافية لتغطية الزيادة الأخيرة فى أسعار الورق والأحبار والألوان وسائر مستلزمات الطباعة.
قبل تعويم الجنيه لم يكن الأمر مثاليا، بل سيئا أيضا ولكن بدرجة أقل. هناك صحف وفضائيات تعانى أزمة اقتصادية طاحنة منذ سنوات. هذه الأزمة تتزايد كل يوم من دون وجود بارقة أمل على الحلحلة.
هناك أزمة طاحنة تتمثل فى انخفاض عائدات الإعلان بصورة تكاد تزيد على نصف ما كان يتم تحصيله قبل عامين. الأزمة الاقتصادية الشاملة فى مصر والمنطقة، أثرت على ميزانيات الإعلانات فى الشركات الكبيرة جدا ومتعددة الجنسيات كما فى الشركات المتوسطة والصغيرة.
أزمة أخرى تتمثل فى تراجع توزيع الصحف اليومية المطبوعة مجتمعة لحوالى نصف مليون نسخة مقابل أكثر من ٤.٥ مليون نسخة عام ١٩٧٤، على عهدة الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل.
هناك أيضا تأثير انصراف الكثير من القراء عن الصحف المطبوعة إلى الفضائيات والمواقع والبوابات الإلكترونية، لكن هناك مفارقة تتمثل فى أن حصة لا بأس بها مما تبقى من إعلانات لاتزال تفضل النشر فى الصحف حتى لو كانت محدودة التوزيع، بدلا من المواقع الإلكترونية ذات المشاهدة العالية، ظنا أن غالبية المسئولين لايزالون يتابعون الصحف الورقية أكثر من المواقع الإلكترونية.
مظاهر الأزمة تتبدى كل يوم بأكثر من طريقة، قبل شهور لجأت صحف كثيرة إلى عمليات تقشف كثيرة، بعضها خفض المرتبات، وبعضها قلل العمالة، والبعض الثالث اتخذ الإجراءين معا، لكن كل ذلك لم يتمكن من وقف نزيف الخسائر، والبعض الآخر قد لا يجد مفرا من الاكتفاء بعدد أسبوعى والتركيز على الموقع الإلكترونى.
الجميع دفع ثمنا، من ملاك الصحف إلى أصغر العاملين فيها، لكن الثمن كان مضاعفا خصوصا على صغار الصحفيين الذين يعيشون فيما يشبه المفرمة. بعضهم اضطر إلى تأجيل الزواج، والبعض عاد لقريته او مدينته بعد أن صارت فاتورة الاستمرار فى القاهرة مكلفة جدا. والبعض يضطر إلى العمل فى اكثر من مكان املا فى ان يجمع الحد الأدنى من تكاليف المعيشة.
الأخطر أن يؤثر كل ذلك على المحتوى والمضمون والجودة، وقد بدأ هذا التأثير يظهر بالفعل على مستوى المهنة وجودة المحتوى، لأن الهم الأكبر للعديد من الصحفيين صار منصبا على الحلم بتقاضى الراتب اول كل شهر او حتى فى منتصفه، وهذا حق مشروع تماما، لأن الجائع لا يمكنه التفكير فى التجويد وهو لا يستطيع دفع ايجار شقته او توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية. والسؤال الآن: هل هناك حلول لمواجهة هذا الطوفان القادم؟!. غدا نواصل ان شاء الله.