تحذير نووى
محمد عبدالمنعم الشاذلي
آخر تحديث:
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
نقلت وسائل الإعلام أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وافق على تحديث وثيقة الردع النووى الروسية، وأن روسيا ستعتبر أى هجوم تقليدى على روسيا بمشاركة دولة نووية أمرا يسمح باستخدام ترسانتها النووية. جاء ذلك بعد إعلان الولايات المتحدة السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أمريكية بعيدة المدى ضد روسيا.
لعبة خطرة وغير مسئولة فى إطار التنافس الحزبى فى الولايات المتحدة وتأتى بعد تصريحات للرئيس المنتخب دونالد ترامب بأنه سيوقف الدعم لأوكرانيا لإنهاء حربها مع روسيا، فى محاولة من الرئيس بايدن فى أيامه الأخيرة فى الحكم لإجهاض برنامج غريمه.
سبق تصريح بوتين تصريح للسناتور الجمهورى، ليندسى جراهام، يدعو فيه إسرائيل لإنهاء حربها فى غزة كما أنهت الولايات المتحدة حربها مع اليابان بقصف غزة بقنبلة ذرية، وجاء ذلك بعد أن صرح وزير التراث الإسرائيلى عميحاى إلياهو بأن قصف غزة بالقنابل الذرية خيار مفتوح.
إن تكرار الحديث عن استخدام الأسلحة النووية أمر خطير ويرفع الحرمانية Taboo عن استخدامها، ويتطلب رد فعل مناسبا من المجتمع الدولى ومن الأمم المتحدة التى يحذر ميثاقها استخدام القوة أو التهديد بها ناهينا عن استخدام السلاح النووى، خاصة، وأن الأحداث أظهرت نفوسا مريضة ترفع التحريم. وقد شاهدنا نموذجا شديد الفجاجة، فى عام 1995، عندما أصدرت الولايات المتحدة طابع بريد يحمل صورة سحابة عش الغراب النووية تحت عنوان القنبلة التى صنعت السلام! وبمناسبة مرور خمسين عاما على إلقاء أول قنبلة نووية واضطرت إلى سحب الطابع بعد رد فعل عنيف واحتجاج شديد من اليابان.
• • •
بدأ عصر السلاح النووى فى أغسطس من عام 1945 عندما أسقطت الولايات المتحدة قنبلتيها النوويتين على هيروشيما وناجازاكى، وأصيب العالم بالصدمة والهول من القدرة التدميرية للقنبلة وآثارها الإشعاعية الممتدة عبر السنين والأجيال، حتى إن أوبنهايمر العالم المسئول فى برنامج مانهاتن الذى أنتج أول قنبلة، قال فى زفرة ندم فى برنامج تلفزيونى بعد سنوات «الآن أصبحت أنا الموت مدمر العالم»، وهى عبارة قالها الإله الهندوسى كريشنا فى ملحمة البهاجافاد جيتا.
فى نفس الشهر المنكود، أغسطس من عام 1948، أجرى الاتحاد السوفيتى أول تجربة نووية وأدى ذلك إلى توازن نووى وردع، ثم توالت التجارب النووية لبريطانيا وفرنسا مما أدى إلى تخوف من انتشارها انتشارا يهدد البشرية جمعاء، وأدى ذلك إلى توقيع عدد من الدول على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية فى عام 1968، ودخلت حيز التنفيذ فى عام 1970، إلا أن ذلك لم يمنع دولا أخرى من الانضمام للنادى النووى: الصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية، رغم ذلك ظلت هناك رهبة للسلاح النووى وأحجم معظم الزعماء عن الإشارة إليه.
لعل أول مكباح سياسى لشطط اللجوء للسلاح النووى حدث عندما زار الرئيس الأمريكى، هارى ترومان، جنوده فى كوريا فى عام 1951، واستمع إلى الجنرال، دوجلاس ماكارثر، وهو يوصى بقصف الممرات الجبلية بين كوريا والصين بالقنابل الذرية لتتلوث بالإشعاع ويستحيل وصول الإعدادات الصينية إلى قوات كوريا الشمالية، لكن رفض ترومان -وهو الرئيس الذى أمر باستخدام القنبلة النووية فى اليابان- هذه التوصية وأقال ماكارثر من قيادته خوفا من تبعات استخدام السلاح النووى.
• • •
التصريحات المنفلتة عن السلاح النووى والصادرة عن دول نووية ناقوس خطر فى وقت تشهد بقاع العالم توترات والتهابات خطيرة يخيم عليها الشبح النووى على الحدود الروسية الأوكرانية، وبين الأعداء التقليديين؛ الهند وباكستان (خاصة بعد أن وصل إلى الحكم فى الهند نظام عنصرى متطرف)، وفى إيران التى يحيط الضباب برنامجها النووى (هل ما زالت على عتبة السلاح النووى أم تخطتها؟)، وفى شبه الجزيرة الكورية وفى بحر الصين الجنوبى بين الصين وتايوان.
لعل أخطر المناطق هى المنطقة العربية حيث تنفرد إسرائيل بامتلاك السلاح النووى، وتذكر عديد من المصادر الموثوقة أن جولدا مائير وضعت الترسانة النووية الإسرائيلية على أهبة الاستعداد أثناء حرب أكتوبر 1973، رغم أن الرئيس السادات أعلن فى بداية العمليات العسكرية أن الجيش المصرى يحارب من أجل تحرير أرضه المحتلة ولم يتجاوز حدود مصر.
نشاهد اليوم إسرائيل تمارس الدمار الشامل دون استخدام القنابل الذرية، ويقدر الخبراء بأن القدرة التدميرية للقنابل التى استخدمتها إسرائيل فى غزة تفوق قدرة قنبلتى هيروشيما وناجازاكى مجتمعتين، والعالم يقف متفرجا بل إن عضوا دائما فى مجلس الأمن يزودها بمزيد من السلاح ويستخدم حق الفيتو لمنع صدور أى قرار ليس بإدانة إسرائيل فقط بل بوقف إطلاق النار، ولا عجب فى ذلك. ألم يمارس هذا العضو الدمار الشامل فى فيتنام وفى العراق؟ وها هو واحد من المشرعين فيه يدعو إسرائيل للتأسى بمسلكها وقصف غزة بالقنابل الذرية.
• • •
فى ظل هذا المناخ صرنا كعرب مهددين فى وجودنا وفى أرضنا التى يريدون إعادة رسمها، وفى عقيدتنا وحضارتنا، وقد آن الأوان لاتخاذ موقف حاسم وقوى وموحد إزاء اتفاقية منع الانتشار النووى المنحازة ضدنا وتعطى إسرائيل احتكارا للسلاح النووى، وترفض معاهدة إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى. فهل آن الأوان لانسحاب جماعى من الاتفاقية إذا لم تفعّل اتفاقية إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووى؟ أو البدء فى برنامج عربى مشترك لإنتاج سلاح نووى لتحقيق الردع والتوازن، وتوزع أجهزته على دول عديدة لمنع تدميره فى مكان واحد؟
لعل طرح التعاون فى برنامج نووى مشترك فى وقت نرى حال العرب وما فيها من خلافات وتشرذم أضغاث أحلام، لكن الأحلام -مهما كانت- أفضل كثيرا من الاستيقاظ من الغفوة على كابوس لا يبقى ولا يذر.