مفتاح التحديات الناجمة عن فيروس كورونا فى عام 2022
العالم يفكر
آخر تحديث:
الإثنين 27 ديسمبر 2021 - 6:55 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع بروجيكيت سينديكيت مقالا للكاتبة ناجير وودز، تناولت فيه أربعة تحديات صعبة تواجهها البشرية فى عام 2022، وما يحتاج إليه العالم لمواجهة هذه التحديات... نعرض منه ما يلى:
بعد عام كان يتوق فيه الناس للعودة إلى «الحياة الطبيعية»، بات من الواضح الآن أن فيروس كوفيدــ19 لن يجعل هذا الأمر مُمكنًا. لقد أثرت الجائحة، التى تقترب الآن من عامها الثالث، تأثيرًا عميقًا على الأفراد والمجتمعات والبلدان والتعاون الدولى، مما يخلق أربعة تحديات صعبة لعام 2022. وستُشكل عملية إعادة بناء الثقة أهمية بالغة فى مواجهة كل هذه التحديات.
يتمثل التحدى الأول فى تغير علاقة الناس بالعمل إلى حد ما. ففى بعض البلدان، أدت عمليات الإغلاق ووفاة الأحباء وحالة عدم اليقين السائدة بشأن الجائحة إلى دفع أو تسريع عملية إعادة النظر فى الوضع الراهن. وفى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تجاوز عدد العمال الذين أقدموا على ترك وظائفهم أربعة ملايين فى كل شهر بدءًا من يوليو إلى أكتوبر عام 2021. كما ينضم العديد من الشباب الصينيين إلى حركة «الاستلقاء» من خلال اختيار عدم العمل لساعات طويلة، والقيام بالحد الأدنى المطلوب لضمان كسب لقمة العيش، والسعى إلى تحقيق ما هو أساسى للغاية للنجاة. لقد أدت هذه الجائحة إلى تعميق الفجوة بين أولئك الذين يستطيعون العمل من منازلهم وبين الكثيرين الذين لا يملكون هذا الخيار.
فى عام 2022، يحتاج الناس إلى الاقتناع بأن العودة إلى العمل ستُساهم فى تحسين حياتهم بشكل فعلى. سيتطلب الوصول إلى هذه النقطة اتخاذ إجراءات فعالة وسريعة من قبل الحكومات والشركات على حد سواء. يُعد الاستثمار للمساعدة فى علاج الخلل فى أنظمة التعليم الناجم عن انتشار فيروس كوفيدــ19 أمرًا بالغ الأهمية. لقد تسببت جائحة فيروس كورونا المُستجد فى انقطاع حوالى 1.6 مليار طالب عن التعليم فى 180 دولة، أى ما يقرب من 80% من الطلاب المُلتحقين بالمدارس على مستوى العالم. إن إنشاء برامج لمساعدة الطلاب على اللحاق بالركب ــ واكتساب المهارات والتدريب اللازمين لاقتصاد القرن الحادى والعشرين ــ من شأنه أن يساعدهم فى الحصول على وظائف أفضل.
لا تستطيع الحكومات القيام بذلك بمفردها، لكن يمكنها على الأقل تحديد معايير خاصة بالتعليم والتدريب. وبالمثل، يمكنها العمل على خلق أو تعزيز حوافز الشركات للاستثمار فى القوى العاملة لديها من خلال المطالبة بالأجور وظروف العمل اللائقة. ومن جانبهم، سيحتاج أرباب العمل إلى إعادة تقييم أماكن العمل، وإظهار الثقة فى موظفيهم، والاستثمار فى التنمية المهنية، واستيعاب أنماط العمل الجديدة.
***
يتلخص التحدى الثانى لعام 2022 فى وقف الاتجاه العالمى نحو الاستبدادية. ووفقًا لمنظمة «فريدم هاوس»، فقد أدت الجائحة إلى إضعاف الضوابط والموازين على السلطة الحكومية فى ما لا يقل عن 80 دولة، غنية وفقيرة على حد سواء. وقد عرفت المراقبة الحكومية، ووحشية رجال الشرطة، وعمليات الاعتقال زيادة ملحوظة، كما تعرضت وسائل الإعلام والتعبير الحرة للتهديد أو التوقيف فى العديد من البلدان. وقد عانت الفئات المُستضعفة مثل الأقليات العرقية والدينية والمهاجرين بشكل غير متناسب.
علاوة على ذلك، ينتشر الفساد السياسى على نحو متزايد. ووفقًا لتقرير منظمة «فريدم هاوس»، أساء وزراء من حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم فى موريتانيا استخدام الأموال المُخصصة لمكافحة فيروس كورونا. وفى عام 2020، قدم رئيس الوزراء رفقة أعضاء حكومته استقالتهم إلى رئيس البلاد. وفى المملكة المتحدة، مُنح أعضاء وأنصار حزب المحافظين إمكانية وصول خاصة وسريعة لتقديم عطاءات للحصول على عقود من أجل تزويد أنفسهم بمعدات الحماية الشخصية.
وفى عشرات البلدان فى مختلف أنحاء العالم، تم تأجيل أو إلغاء الانتخابات، أو تم التشكيك فى النتائج المصادق عليها. وفى عام 2022، سيتعين على المواطنين والمواطنات العمل على إيجاد طرق مناسبة لمحاسبة قادتهم وإعادة بناء المؤسسات والثقة العامة. وهذا ما يحدث بالفعل فى بعض البلدان، الأمر الذى يعكس مدى نجاح الحكومات فى تنفيذ خمسة تدابير: توفير أو تنظيم الخدمات العامة؛ وتوقع التغيير وحماية المواطنين؛ واستخدام السلطة والموارد العامة بشكل أخلاقى؛ واستشارة مواطنيها وتوضيح قراراتها لهم؛ وتحسين الظروف المعيشية للجميع.
يكمن التحدى الثالث الذى يواجهه العالم فى عام 2022 فى اندلاع جائحة أخرى. وفى حين يُعد من السهل الاعتقاد بأن فيروس كوفيدــ19 يطغى على جميع حالات الطوارئ الصحية العامة الأخرى فى حياتنا، إلا أن قلقنا الحالى لا ينبغى أن يعمينا عن التهديدات الأخرى التى تفرضها الأمراض المعدية. وفى وقت سابق من هذا الشهر، على سبيل المثال، حذر كبير الأطباء البيطريين فى المملكة المتحدة من انتشار إنفلونزا الطيور بشكل هائل، مع ما يترتب عن ذلك من «تداعيات خطيرة على البشر والحيوانات والتجارة».
فى عام 2021، فشل العالم فى توزيع اللقاحات والعلاجات اللازمة الخاصة بفيروس كوفيد 19 بشكل عادل أو فعّال. وقد تم إنشاء مرفق الوصول العالمى للقاحات المُضادة لفيروس كوفيدــ19 (كوفاكس) لضمان التحصين للجميع، وبالتالى احتواء طفرات الفيروس والحد من سرعة انتشاره. وبدلا من ذلك، سعت الحكومات الغنية إلى التنافس مع بعضها البعض لتأمين الوصول إلى اللقاحات لمواطنيها ومواطناتها أولا.
إن تحقيق الثقة والتعاون بين الحكومات ليس أمرًا مستحيلا. يتمثل الحل فى تصميم القواعد والمؤسسات وتنفيذ السياسات على نحو يضمن للدول احترامها والالتزام بها من قبل جميع البلدان الأخرى (فى الغالب). كان العيب الخطير فى الاستجابة لجائحة فيروس كوفيدــ19 يتلخص فى الافتقار إلى الشفافية بشأن حجم المبالغ التى تدفعها الحكومات مقابل جرعات اللقاحات ولمن يتم دفعها بالتحديد. وفى عام 2022، يحتاج العالم على نحو عاجل إلى إعادة تصميم وتحسين الترتيبات العالمية للبحث وتوزيع وتمويل اللقاحات من أجل ضمان الحد الأدنى من الثقة اللازمة لجعل التعاون الدولى ممكنًا.
***
وأخيرًا، يعمل فيروس كوفيد 19 على تغيير القواعد الاقتصادية لعام 2022. إن النزعة القومية الاقتصادية فى تصاعد مُستمر، وتتسارع بفعل تجارب البلدان التى تحاول شراء المعدات والعلاجات واللقاحات. وبالإضافة إلى الرغبة فى تحقيق أهداف صافى الانبعاثات الصفرية، ستكون النتيجة المُحتملة عبارة عن انتشار السياسات الصناعية، والمزيد من التدابير التجارية الحمائية، وزيادة الشكوك تجاه المستثمرين الأجانب ــ كل ذلك فى ظل خلفية من السياسات النقدية المُتشددة والديون الحكومية المتزايدة.
تتفاقم هذه الاتجاهات بفعل التحالفات والمنافسات الجيوسياسية، والتى تؤثر على عمليات عقد الصفقات الاقتصادية. وقد عززت الهند وروسيا تعاونهما مؤخرًا من خلال التوقيع على 28 اتفاقية فى مجالات تتراوح بين التعاون العسكرى والتجارة. واليوم، يعمل الاتحاد الأوروبى على تبنى بوعى ذاتى مصطلح «الاستقلال الاستراتيجى المفتوح» فى التخطيط الدفاعى والعسكرى، بهدف صياغة نهجه الجديد فى التعامل مع التجارة. تُعد تايوان مثالا جيدًا لاندماج المخاوف الأمنية مع الأهداف الاقتصادية. فقد باتت سيادتها مرتبطة بالمنافسة من أجل السيطرة على أشباه الموصلات عالية الجودة المطلوبة بشدة التى تنتجها.
تُعد التحديات الاقتصادية العالمية لعام 2022 خطيرة وواقعية. ولكن حتى فى ذروة الحرب الباردة، كانت الاتفاقيات الدولية الأساسية ومؤسسات ضبط النفس المتبادل ممكنة بفضل المفاوضات والترتيبات المتأنية التى أعطت تطمينات لكلا الجانبين. إن الثقة ليست حلا سحريًا للتوتر الدولى المُتصاعد، ولكن قدرا ضئيلا من الثقة، بدعم من مؤسسات ذات مصداقية واسعة النطاق، سيُشكل أهمية بالغة لاحتواء هذا التوتر.
لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق بعد نهاية فيروس كوفيدــ19، لأن الجائحة قد غيرت الكثير من الأمور. يتمثل التحدى فى العام المقبل فى المضى قدمًا من خلال إعادة تصميم وتصور قواعدنا ومؤسساتنا مع التركيز على إعادة بناء الثقة فى مجالات العمل والسياسة والصحة العامة والسياسة الاقتصادية.
النص الأصلى: هنا