الحضارة المتفرجة العاجزة
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الأربعاء 27 ديسمبر 2023 - 7:00 م
بتوقيت القاهرة
فى مناسبة كل رأس سنة جديدة عودت نفسى على أن أتوجه إلى العلى القدير بأمنية لرفع ظلم أو تحقيق أمنية أو التكرم بمنح سكينة وسلام لنفسى أو لعائلتى أو لأمتى أو للإنسانية. ولأسباب نفسية كنت أشعر بأن تلك المناسبة تستحق أن تضاف إلى مناسبات انفتاح أبواب السماء للأدعية والصلوات الإنسانية.
أما فى هذا العام فإن الأقدار قد هيأت لغير ذلك.
فمنذ 7 أكتوبر الماضى وأنا أدعو يوميا فى صلاتى، راجيا ومستغيثا، أن ينصر الله العلى العظيم الرحمن الرحيم العادل، شعب فلسطين فى غزة وسائر وطن فلسطين، فى معارك مقاومة الغزاة الصهاينة.
كان بكاء أطفال غزة وموت الألوف منهم ومناداتهم الحزينة التائهة لجثث أمهاتهم المسجاة تحت الحطام وفى الطرقات يملأ قلبى ووجدانى غضبا فأصرخ: اللهم املأ قلوب ونفوس وعقول أفراد جيوش الصهاينة خوفا ورعبا وجبنا، وشتت شملهم يا الله، واملأ قلوب إخوتى الفلسطينيين شجاعة وصبرا وعزيمة لا تضعف. اللهم يا من تقول للشىء كن فيكون، قلها بحق أبطال فلسطين واملأهم إحساسا ربانيا بعبق الشهادة وهى تقاوم الظلم والفسوق والدناءات الصهيونية.
يوميا أنادى ويوميا أعود فأذرف الدموع وأرسل الآهات حزنا وكمدا على ما زلت أرى وأسمع فى جحيم الهولوكوست الصهيونى ضد شعب وأرض فلسطين بينما يغيب عن ناظرى سيف العدالة الإلهية، فأقاوم همسات الشياطين وأصحو من جهالة النفس الأمارة بالسوء فأردد: لعل الحكمة الإلهية تريد لهؤلاء المجرمين القتلة أن يمعنوا فى ارتكاب الموبقات وسفك الدماء بلا رحمة ولا ضمير حتى إذا وقفوا يوما ما أمام العدالة الإلهية الأبدية لم يستحقوا أية شفاعة من أى شفيع، وبدلا استحقوا الدخول والبقاء الأبدى فى عذاب العقاب الربانى العادل.
فى مناسبة رأس السنة لهذا العام سأخرج على عادتى السابقة وسأتوجه إلى العلى القدير بنفس الدعاء الذى رددته طيلة الأسابيع الماضية. لن أطلب شيئا لنفسى ولا لعائلتى ولا لأمتى ولا للإنسانية. ففى هذه اللحظة تختصر الفجيعة الفلسطينية كل آلام البشرية مجتمعة وتسد دموع أطفال فلسطين كل الأبواب إلا أبواب استغاثاتهم.
لكننى، وعلى غير عادتى أيضا، سأضيف شكوى أمتى إلى الله جل جلاله بشأن التعامل الرسمى العربى مع هذه المأساة العربية القومية. لقد تعامل بعضه كما يتعامل المنافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر. وصدق على البعض قول نبى الإسلام (صلى الله عليه وسلم): كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت له به كاذب. وبهذا يخرج هؤلاء من زمرة ممن وصفهم الله وكرمهم وأشاد بهم لأنهم «لأماناتهم وعهدهم راعون» أو أنهم من «الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل».
فى أمسية رأس السنة الجديدة سيملأ كيانى السؤال الملح الذى يملأ كيان الملايين من أصحاب الضمائر: أية حضارة هذه التى بناها الإنسان، ونرى فواحشها فى كل مكان، التى تسمح لنفسها أن تشاهد الآن ما يجرى فى غزة وتقف إما متفرجة غير مبالية أو عاجزة أمام تدخلات الجنون الأمريكى الذى يمنع كل محاولة تسعى إلى إيقاف الغطرسة الصهيونية من إيصال هذا العالم إلى حافة الدمار الأخلاقى والإنسانى والحقوقى؟
وهكذا نجحت الصهيونية اليمينية المنفلتة فى أن تقلب هذا العام من مناسبة التمنيات البريئة المتواضعة الخفيفة الظل إلى مناسبة أدعية الغضب والحزن واليأس من هذه الحضارة ومن بانيها.
وإذ نقول للجميع كل عام وأنتم جميعا بخير نعلم أن من بين هذا الجميع من هم لن يكونوا بخير بسبب ما تفعله قوى الاستعمار الأمريكى ــ الأوروبى الغربى وما يفعله حلفاؤها من ممارسى فظائع الهولوكوست الصهيونى تجاههم.