فـائض عـنف
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 28 يناير 2025 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
شهد الأسبوع الماضى عددًا من الجرائم غير المعتادة فى عدد من المحافظات، أبرزها أحداث العنف فى المدارس، وليس فقط مدرسة التجمع الخامس التى اختطفت الاهتمام وحدها، بل مدارس أخرى سقط فيه طلاب وطالبات جرحى. بالتأكيد ظاهرة العنف ليست جديدة على المجتمع، وهناك فائض فيها على مدار عقود. التفسيرات كثيرة، وينشط الباحثون فى العلوم الاجتماعية فى إصدار أسباب عامة منها: الفقر وتزايد الضغوط الاقتصادية على الناس، غياب التربية الأسرية، وتفشى ظاهرة العنف الأسرى المتمثل فى ضرب الزوجات والأبناء، وإقبال الأعمال السينمائية على تقديم البلطجة تلازمها قائمة من المصطلحات الجديدة التى باتت تلوكها ألسنة النشء والشباب، وأحيانا يصور البلطجى بمظهر الشخص الشهم الذى يحافظ على حقوق الناس.
بالإضافة إلى الأسباب السابقة، يأتى الشارع المضطرب الذى يعج بفوضى المرور، وانتشار العنف، وظهور البلطجية «التائبين» فى صورة باعة متجولين، يفترشون الأرصفة، أو يقودون «التوك توك»، أو يفرضون أنفسهم على خدمة انتظار السيارات أى «سياس» للسيارات، والحجة المعلنة أو غير المعلنة فى ترك هؤلاء يمارسون عملهم غير المقنن فى الشارع هو إفساح المجال أمامهم للعمل بدلا من أن يلجأوا إلى السرقة أو البلطجة. ولكن بالمناسبة هذه الحجة غير صحيحة فى كل الأحوال، لأن هؤلاء يمارسون نشاطهم بالبلطجة الصريحة أو المستترة، ويلجأون إلى العنف فى مواجهة الآخرين، أو حيال بعضهم بعضا للسيطرة على مناطق نفوذ فى الشارع مستغلين علاقاتهم بالجهات المحلية.
الغريب فى حال هذا المجتمع، أن الشخص الملتزم صاحب محل أو نشاط تجارى يدفع الضرائب، ويلتزم بمواعيد إغلاق المحلات، ويسدد كل الرسوم المفروضة عليه سواء فواتير كهرباء ومياه وخلافه، أو رسوم محلية، فى حين أن المخالفين فى الشارع- وبعضهم وليس كلهم من البلطجية، لكن يظل الجميع فى حماية شخص بلطجى مسئول عن شارع أو رصيف بعينه، يسرقون كهرباء، ويحتلون أرصفة، ويتسببون فى التلوث دون أن يحاسبهم أحد طالما أنهم يسددون الإتاوة للشخص البلطجى.
بالتأكيد ليس علاج ظاهرة فائض العنف فى المجتمع اللجوء إلى تكثيف الجرعة الدينية أو استعادة الكتاتيب، أو جعل مادة الدين تدخل فى مجموع درجات الطالب فى كل مراحل التعليم، لأن القضية ليست فى غياب التدين، الذى يتسم بوجود فائض ظاهرى فيه، ولكن فى تطوير الخطابات الدينية بحيث تركز على الجوهر دون المظاهر أو القشور الخارجية، والاهتمام بالتربية المدنية فى المدارس، والمشاركة فى العمل الأهلى والاجتماعى، والتطوع بين الشباب، والتركيز على زيادة جرعة الثقافة فى التعليم والإعلام، يضاف إلى كل ذلك تنظيم الشارع خاصة فى الأحياء القديمة، واستعادة الرصيف المغتصب، وتنظيم الأسواق، والحيلولة دون وجود شخص مهما بلغت سطوته له هيمنة على الشارع، هذه الظاهرة قد تكون محدودة أو غير موجودة فى المدن الجديدة إلى حد ما.
منذ أيام كنت أقلب فى عدد من الصور القديمة التى كانت تصور شارع مصر والسودان، الملك سابقا، قبل عام 1952، ترى فيها فيلات اختفت الآن، وشوارع أنيقة تدهورت، ومبانٍ ذات طرز معمارية بديعة طمست معالمها حاليًا. هذا الشارع، لم يعد اتجاهًا واحدًا كما هو معمول به قانونًا، بل أصبح اتجاهين بسطوة بلطجة أصحاب «التكاتك»، واستولى الباعة المتجولون على أرصفته بالكامل فى مشهد من الضوضاء والعبث لا يحتمل، فضلا عن المشاجرات المستمرة فيما بينهم أو مع المارة. الغريب أنه أحيانا، تجد الشارع هادئًا، تختفى منه مظاهر العشوائية، والسبب هو مرور شخص مسئول أو حملة من الجهات المحلية، ثم بعد انتهاء المرور أو الحملة تعود الأمور إلى سابق وضعها. فإذا كانت لدينا إمكانية ضبط الأمور بعض الوقت، فلماذا لا تكون كل الوقت؟