مصر وجرح العلاقات السعودية الأمريكية
محمد المنشاوي
آخر تحديث:
الجمعة 28 فبراير 2014 - 2:15 م
بتوقيت القاهرة
«إذا ما تعرضنا ليوم أسود مثل الذى تعرضت له الكويت على يد عراق صدام حسين عام 1990، ندرك جميعا أن هناك جيشين فقط يمكنهما تقديم مساعدة حقيقية، بما فيها إرسال عشرات الآلاف من الجنود إذا ما استدعت الحاجة، والجيشان هما الأمريكى والمصرى».
كانت تلك كلمات دبلوماسى مرموق يعمل فى سفارة دولة خليجية صغيرة فى واشنطن. وعكست تلك الكلمات بعدا مفقودا فى محاولة فهم طبيعة علاقات الدول الخليجية بمصر، والجيش المصرى، خلال السنوات الثلاث الماضية، وتفسر كذلك حقيقية أن الشأن الداخلى المصرى أصبح يمثل أحد موضوعات العلاقات الأمريكية الخليجية، وبالأخص علاقات الرياض بواشنطن.
من هنا يمكن فهم حجم الصدمة السعودية من عدم دعم إدارة الرئيس أوباما العلنية لتدخل الجيش وإزاحة الرئيس محمد مرسى، والتى على أثرها اهتزت علاقات الجيشين، الأهم لدول الخليج. لذا تقوم تلك الدول باستخدام كل مواردها فى العاصمة الأمريكية وخارجها لإعادة خصوصية العلاقات بين المؤسستين العسكريتين الأمريكية والمصرية لما يمثله هذا من ضمان لوجود هذه الدول نفسها.
•••
وبعد أيام سيتوجه الرئيس الأمريكى باراك أوباما للقاء العاهل السعودى الملك عبدالله فى العاصمة السعودية الرياض. وتجىء الزيارة فى وقت تشهد فيه علاقات الدولتين هزات شديدة بسبب بدء مفاوضات حل مشكلة الملف النووى الإيرانى، بما قد يؤدى لتحسين العلاقات بين طهران والغرب، واختلاف الآراء حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية، خاصة بعد رفض واشنطن استخدام القوة فى ضوء أنباء استخدام النظام السورى أسلحة كيميائية ضد معارضيه. إلا أن شرخ العلاقات الحقيقى بين الدولتين بدأ قبل ذلك بسبب موقفهما المتناقض من ثورة 25 يناير، ولم يتم علاج هذا الشرخ حتى الآن، ومن هنا سيكون الشأن المصرى أحد أهم الموضوعات التى سيتم تناولها فى القمة السعودية الأمريكية.
وبسبب محورية مصر للسعودية، أصبح الشأن المصرى ذا أهمية كبيرة لعلاقاته بأمريكا. ولهذا السبب تحديدا زاد ارتباك إدارة أوباما أثناء ثورة 25 يناير مع تواصل تلقى مكالمات من عاهل السعودية، الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ الذى أكد لأوباما بعدما أنهى خطابه الأول عن مصر يوم 28 يناير ــ على ضرورة الوقوف بجانب الرئيس مبارك، وذلك خوفا من تأثير ما تشهده ميادين مصر على المملكة واحتمال انتقال العدوى للرياض. ثم تحدث الرئيس أوباما هاتفيا مع الملك عبدالله عاهل السعودية عدة مرات بعد ذلك حول الوضع فى مصر. وفى حين أكد أوباما أهمية اتخاذ خطوات سريعة نحو تحقيق انتقال منظم للسلطة بحيث يكون ذا مغزى بدون الرئيس مبارك. وصدمت الأسرة المالكة السعودية لاضطرار الرئيس الأسبق مبارك للتنحى عن الحكم، وألقت باللوم جزئيا على ما اعتقدت أنه تخلى أمريكا وإدارة أوباما عن الحليف المصرى المهم.
•••
خلال السنوات الثلاث الماضية جاء الشأن المصرى الداخلى يضم جدول أعمال كل لقاءات المسئولين السعوديين بنظرائهم الأمريكيين. إلا أن تلك اللقاءات اصبح لها ديناميكية مختلفة بعد إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسى فى الثالث من يوليو الماضى. وعلى هامش مؤتمر حوار المنامة فى البحرين، فى ديسمبر الماضى، لمناقشة القضايا الأمنية الإقليمية، بحث وزير الدفاع تشاك هاجل مع نائب وزير الدفاع السعودى الأمير سلمان بن سلطان القضية المصرية، وقبل ذلك بشهر بحث وزير الخارجية جون كيرى خلال زيارة للسعودية، عقب نهاية زيارة لم يعلن عنها مسبقا لمصر، الشأن المصرى الداخلى. وتؤكد بعض المصادر الأمريكية أن زيارة كيرى للقاهرة قبل يوم واحد من بدء محاكمة الرئيس محمد مرسى كانت شرطا كى تتم زيارته للسعودية. ونجحت جهود اللوبى السعودى والإماراتى فى دفع جون كيرى أن يؤكد من القاهرة التزام بلاده بدعم خارطة الطريق التى وضعتها الحكومة الانتقالية، والتأكيد على أن العلاقة المصرية الأمريكية لا تعرف فقط من خلال المساعدات، وأن هناك أمورا أخرى تحدد العلاقة. ورغم ذلك مازال هناك اختلاف بسيط بين الرياض وواشنطن بشأن الوضع فى مصر، حيث أوقف أوباما معظم المساعدات العسكرية للجيش المصرى عقب استخدام العنف لفض اعتصامات جماعة الإخوان فى ميدانى النهضة ورابعة العدوية، فى حين تعهدت الرياض بسد أى نقص نتيجة خفض أى مساعدات خارجية. وترى واشنطن أن دول الخليج (خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية) كانت سخية جدا مع مصر بعد الثالث من يوليو، وأن هذا الدعم كان حاسما. ولكن واشنطن تؤكد أيضا أن بلايين الدولارات الخليجية من المساعدات لن يكون لها سوى القليل من التأثير على الداخل المصرى طالما ليس هناك حل لمعضلة شمولية خريطة الطريق لتضم الإخوان المسلمين.
•••
للولايات المتحدة وجود عسكرى يشمل ما يزيد على 35 ألف جندى من القوات البرية والجوية والبحرية فى أكثر من 12 قاعدة عسكرية فى الخليج وحوله. ونشرت واشنطن هناك أحدث نظم الأسلحة الأمريكية تطورا، بما فيها من طائرات، وأنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، ونظم الدفاع الصاروخى. والعقيدة العسكرية السعودية تعتمد على علاقة خاصة جدا مع واشنطن، كما أسس لها فى اجتماع شهدته الأراضى المصرية أثناء الحرب العالمية الثانية. ففى فبراير 1945 اجتمع ملك السعودية حينذاك عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكى روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسى أثناء مرورها بقناة السويس. وتم فى اللقاء إرساء قواعد خاصة بالعلاقات بين الدولتين، تقوم على تأمين المصالح النفطية للولايات المتحدة فى المملكة السعودية مقابل علاقة تحالف تؤمن العائلة الحاكمة السعودية من أى مخاطر إقليمية. وسمح للطائرات العسكرية الأمريكية المرور فى الأجواء السعودية، واستخدام مطار الظهران، إضافة لوجود عسكرى أمريكى.
ومع كل الخصوصية فى علاقات الرياض بواشنطن، يبقى سؤال يتعلق بكيفية تناول الدولتين للشأن المصرى، خاصة مع توارد أنباء عن تمويل السعودية لصفقة السلاح الروسى لمصر، وهو ما يؤكد عمق الجرح المصرى فى علاقة أمريكية سعودية شديدة الخصوصية.