ولاية خامسة لبوتفليقة أو الفوضى!
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 28 فبراير 2019 - 9:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتبة «رندة تقى الدين» وجاء فيه:
التظاهرات الشعبية فى الجزائر منذ أن أعلن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ترشحه لتولى الرئاسة للمرة الخامسة يظهر عجز المؤسسة العسكرية وبعض القيادات السياسية على التوافق حول مرشح بديل يضمن مصالحهم. التظاهرات ضد ترشحه كانت قائمة والرئيس الجزائرى موجود فى سويسرا للعلاج. الرجل فى الـ٨١ من عمره ووضعه الصحى تدهور منذ ٢٠٠٣ حين أصيب بجلطة أقعدته وأصبح صعبا فهم كلامه. ومنذ فترة لم يعد يستقبل الزوار الرسميين الأجانب لتدهور وضعه الصحى. والذين التقوه منذ نحو ثلاث سنوات يروون أنهم لم يتمكنوا من فهم ما يقول. فكيف يمكن أن ينتخب الجزائريون رئيسا لا يرونه إلا عبر صوره ورسائل تنشر باسمه، علما بأن عقله ما زال صائبا بحسب المتابعين. هل يعقل أن بلدا مثل الجزائر حيث عدد السكان أكثر من ٤٢ مليونا و50 فى المئة منهم فى سن العشرين لم يقدم لهم منذ نشأتهم إلا بوتفليقة.
وهل المؤسسة العسكرية والكوادر النافذة فى الحكم لم تكن قادرة على اختيار شخصية أخرى لترشيحها أو أن المصالح المتضاربة حالت دون ذلك. إن التظاهرات الشعبية أيام الجمعة والأحد الماضيين والمتوقعة يوم الجمعة المقبلة تلقى الضوء على خطورة ما يجرى فى الجزائر. وأيضا على مسئولية المؤسسة العسكرية التى لم تنجح حتى فى الاتفاق على ترشيح بديل مقنع، خصوصا أن الشخصيات الجزائرية القادرة على ملء هذا الدور كثيرة، فالجزائر لا تنقصها كوادر تعاملت مع المؤسسة العسكرية ويمكن أن تضمن لها مصالحها مثلما فعل بوتفليقة. ونجاح الأخير فى الحصول على توافق العسكر يعود أولا إلى أنه أسكت بعضهم وأحال البعض الآخر على التقاعد ونجح فى المصالحة الوطنية قبل مرضه. ثم وزع أموالا طائلة خلال الانتخابات على البلديات عندما كانت أسعار النفط والغاز مرتفعة ولم يكن منشغلا بصحته المتدهورة. كانت سياسته بمثابة عمليات تخدير فى بلد غنى لم يشهد أى استثمار فعال ويستورد كل شىء من الخارج.
واليوم والجزائر تعانى من اقتصاد يتدهور بسبب تدنى عائدات النفط والغاز، تغير الوضع وزال مفعول تخدير الشعب.
كان سعر النفط مرتفعا بلغ مائة دولار للبرميل وسعر الغاز مرتفعا أيضا. أما اليوم والجزائر بلد منتج أساسى للغاز فقد انخفضت أسعاره وزاد التنافس من الغاز الأمريكى والروسى والقطرى. وفى ٢٠١١ كانت توزع ثروة النفط والغاز فى البلد لشراء السلم الاجتماعى أما الآن فأصبح ذلك أصعب.
الجزائر تكاد لا تنتج شيئا. كان احتياطيها المالى ١٧٠ بليون دولار وقد أصبح الآن نحو ٧٠ بليونا. وفى ١٩٨٨ قمع الجيش الجزائرى التظاهرات بالسلاح ما أدى وقتها إلى سقوط قتلى. أما اليوم فالجيش منهمك بمراقبة الحدود مع النيجر وليبيا ومالى ولم يعد بإمكانه أن يتصرف مثلما فعل فى 1988.
ولكن، هناك تساؤلات حول كيفية معالجة الحراك الشعبى المتوقع يوم الجمعة وكيف سيرد عليها النظام الجزائرى الفاشل. فهو فعلا فاشل بفساده وبعدم توفيره لهذا البلد الغنى ظروفا معيشية جيدة وفرص عمل للشباب، إذ عمد إلى تخدير الشعب بدل خلق له ديناميكية اقتصادية بالاستثمار فى الصناعة والزراعة والسياحة. (بلد شاسع يكاد يكون أجمل مقصد للسياحة، ولكن لا شىء يجذب السائح إليه سوى هذا الجمال الضائع).
أما اللافت فهو سكوت فرنسا الرسمية إزاء ما يحصل فى الجزائر، فى حين أن الرئيس إيمانويل ماكرون تدخل سريعا بما يحصل فى فنزويلا مؤيدا لجوايدو المعارض للرئيس مادورو، فماكرون أمام مأزق تجاه الجزائر إذ إنه فى العمق قد يكون مؤيدا للمطالبين بالانتخاب الديموقراطى، ولكن فى الوقت نفسه لديه مخاوف من نزوح جزائريين إلى فرنسا وهذا يشجع القوى الشعبوية الفرنسية المضادة للهجرة. والسبب الآخر الذى يدفع ماكرون إلى تجنب تأييد الشعب الجزائرى إن فرنسا تقود حربا ضد الإرهاب فى مالى والنيجر وليبيا. وللجزائر أكبر حدود مع الصحراء كما لديها أكبر حدود بحرية مع أوروبا ١٥٠٠ كلم، وهو ما يعنى أن الجيش الجزائرى موجود على الحدود الجزائرية مع الصحراء وأيضا على حدود المتوسط مع أوروبا، فزعزعة استقرار الجزائر مقلقة جدا لفرنسا، وهو ما يؤدى إلى تحفظ الأوساط المسئولة الفرنسية إزاء التظاهرات الجزائرية ضد ترشيح بوتفليقة لرئاسة خامسة، خصوصا أن الرئاسة الفرنسية تعرف أكثر من الجزائريين عن وضعه الصحى بدقة، لكونه قصد فرنسا مرات للعلاج. فهل تعى المؤسسة العسكرية الجزائرية خطورة الاستمرار فى ترشيح بوتفليقة أم إنها تسحبه ساعية إلى التهدئة؟ سيظهر ذلك فى الأيام المقبلة وموعد الانتخابات الرئاسية فى إبريل يقترب.