مستقبل مناورات النجم الساطع

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 28 أبريل 2016 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

سألت الأسبوع الماضى القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جيمس ماتيس، عن رؤيته لطبيعة العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن، ورد بقوة داعيا لضرورة مساندة النظام المصرى فى هذه المرحلة المضطربة من تاريخ الشرق الأوسط. ونادى الجنرال، الذى كان مسئولا عن الجيوش الأمريكية فى المنطقة بين عامى 2010ــ2013، بضرورة استئناف مناورات النجم الساطع بين الجيشين المصرى والأمريكى. إلا أن الجنرال أكد على ضرورة تغيير طبيعة المناورات لتركز على تدريبات مكافحة الارهاب، وليس على حروب المدرعات التقليدية بين جيشين نظاميين. ويعتقد على نطاق واسع أن القاهرة وواشنطن تبحثان بجدية معاودة مناورات النجم الساطع المتوقفة منذ عام 2009، وهذه المناورات ومنذ بدئها عام 1980 تركز على حروب تقليدية بين قوات كبيرة فى مناطق صحراوية واسعة تستخدم فيها المدرعات والطائرات والدبابات.

وتعكس كثافة الزيارات العسكرية المتبادلة، العلنية منها وغير العلنية، توافقا عسكريا بين الدولتين على ضرورة وأهمية استئناف المناورات فى ظل الأوضاع الأمنية والعسكرية المضطربة التى يشهدها الشرق الأوسط. ولا أعتقد أن المناورات القادمة ستكون مثل سابقتها سواء من حيث أعداد القوات الأمريكية المشاركة فيها، أو من حيث طبيعة وحداتها العسكرية، وستمثل بداية عهد جديد من التدريبات العسكرية المشتركة لمواجهة أخطار وتحديات غير تقليدية.

من ناحية أخرى يعكس النقاش حول استئناف المناورات رضاء الطرفين على تطورات ملف المساعدات العسكرية المقدمة لمصر، فالقاهرة رحبت بقرار الكونجرس المتعلق بمنحها مساعدات عسكريه مقدارها 1.3 مليار دولار للعام المالى 2016، والتى صاحبها تقليل كبير للشروط المرتبطة بها. ورغم التسهيلات الأمريكية الظاهرة، تبقى بعض الاختلافات بين القاهرة وواشنطن على خلفية نقطتين مهمتين، الأولى تتعلق بطريقة تمويل شراء الأسلحة الأمريكية الجديدة، وتتعلق الثانية بطبيعة ونوعية هذه الأسلحة، إلا أن هذه مستوى هذه الخلافات لا يعرقل التعاون العسكرى.

***

نقاط أربعة يمكن من خلال التعرض السريع لها أن نتفهم الإطار الأوسع لخطط استئناف المناورات وتجديد المساعدات العسكرية لمصر.

أولا: بعدما جمد الرئيس أوباما الإمدادات العسكرية عقب تدخل الجيش والتداعيات العنيفة للإطاحة بالرئيس المدنى المنتخب محمد مرسى، رأت واشنطن ضرورة استغلال عملية إعادة المساعدات من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية من علاقاتها الخاصة بالجيش المصرى خاصة مع ضعف الموقف التفاوضى للجانب المصرى. وفرض قرار أوباما فى أبريل الماضى والخاص بالإفراج عن المساعدات العسكرية شروطا جيدة تتضمن أن تقتصر نظم التسليح الجديدة على أربعة مجالات هى مكافحة الإرهاب (الشراكة فى الحرب الأمريكية على الإرهاب) والحفاظ على الأمن فى سيناء (مكافحة الجماعات الإرهابية هناك)، تأمين الحدود (ضبط الحدود بين غزة وسيناء بما يمنع التهريب)، وأخيرا الأمن البحرى (مواجهة الهجرة غير الشرعية).

ثانيا: ارتبط قرار واشنطن باستئناف المساعدات لمصر باستبدال طريقة تمويل شراء الأسلحة لصالح الحكومة المصرية، فبدلا من نظام فتح خط ائتمان يسمح بالدفع الآجل، وهو ما سمح بتمويل صفقات عسكرية كبيرة تتخطى قيمتها إجمالى قيمة المساعدات فى عام واحد، وهو الأسلوب المفضل للحكومة المصرية، بنظام تمويل المشتريات عاما بعام بدء من 2018، وهو ما يحرم مصر من ميزة التعاقد والدفع اللاحق، ويضمن لواشنطن فى الوقت نفسه تحجيم قدرة القاهرة على عقد صفقات سلاح مرتفعة القيمة. وتضمن الطريقة الجديدة نظريا تغيير طريقة تسليح الجيش المصرى ليركز على الأهداف الأمريكية السابق ذكرها، بدلا من التسلح انتظارا لمعارك تقليدية ضد جيش نظامى (قُصد به تقليديا إسرائيل).

ثالثا: يرتبط الحديث حول المناورات والمساعدات لغة جديدة داخل أروقة واشنطن تشير إلى الجيش المصرى بصفته «الجيش السنى العربى الأكبر». وجاء هذا الوصف بعدما وقعت واشنطن اتفاقها النووى مع إيران فى يوليو الماضى، وبدء الانفتاح الأمريكى على طهران، وهو ما أثار استهجان وغضب دول الخليج العربى. وكان من الصعب على واشنطن استمرار وقف المساعدات عن جيش مصر، وهو ما كان ليزيد غضب الحلفاء العرب الذين اتهموا واشنطن بتخليها عن حلفائها السُنة ومحاباتها إيران الشيعية. ويمثل تصنيف جيش مصر ــ بأنه جيش سنى ــ مخاطر متعددة، فجيش مصر جيشا وطنيا يجمع مسلمين وأقباط، وليس جيشا طائفيا. ولم يُعرف الجيش على مدى تاريخه بكونه جيشا سنيا، حيث إن هذا الوصف يضعه فى مواجهة مع (الجيش الشيعى)، ويبعده عن مواجهة (الجيش الإسرائيلى). ويرتبط بتلك النقطة الترحيب الأمريكى الفورى بأخبار تشكيل تحالف من الجيوش السنية (من بينها مصر) لمواجهة الإرهاب كما جاء على لسان ولى ولى العهد السعودى.

رابعا: ليس من المتوقع حدوث أى تغيير فى استراتيجية واشنطن للتعامل المستقبلى مع الجيش المصرى ونظم تسليحه وطريقة تمويل مشترياته من الأسلحة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية القادمة. ووصول رئيس أو رئيسة من الديمقراطيين يعنى استمرار سياسة أوباما تجاه مصر، ولا أعتقد حتى مع وصول رئيس جمهورى للبيت الأبيض أن يحدث أى تغيير لرؤية واشنطن للدور المستقبلى للجيش المصرى حيث يوجد توافق جمهورى ديمقراطى على هذه الرؤية.

***

يستطيع الجيش المصرى أن يستغل الحرب الأمريكية ضد تنظيم الدولة داعش لصالحه. فواشنطن تستخدم فى حربها ضد الإرهاب أحدث طائراتها المقاتلة وطائرات الهليكوبتر والصواريخ، وهو ما يمكن التمسك به لدحض الرغبة الأمريكية فى إلزام الجيش المصرى بشراء أسلحة خفيفة تكون مناسبة أكثر لمعارك غير تقليدية ضد الإرهاب والتهريب وحماية الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية. ويمكن للمفاوض المصرى استخدام منطلق: لماذا لا نشترى لأنفسنا نفس الأسلحة التى تستخدمونها فى حربكم ضد الإرهاب؟ ورغم موضوعية الطرح المصرى، تبقى معضلة نظام التمويل باقية، خاصة مع معرفتنا أن إجمالى قيمة المساعدات العسكرية السنوى البالغ 1.3 مليار دولار يتم توزيعه بين ثلاثة مجالات أساسية هى التدريب والصيانة والمشتريات الجديدة. ولا يسمح أسلوب التمويل المقترح أمريكيا بدءا من 2018 بعقد أى صفقات تسليح أمريكى كبيرة فى المستقبل القريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved