اقتلوا الموضوعات بحثا
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 28 يونيو 2015 - 11:40 ص
بتوقيت القاهرة
ليس عيبا أن تخطئ الحكومة، لكن الكارثة أن تكرر الخطأ نفسه فى كل مرة، بل وتصر على أنه إنجاز.
قبل أكثر من عامين وقعنا معظمنا فى مصيدة الدكتور عبدالعاطى الشهير بكفتة.
وقتها كانت النوايا سليمة، وغالبية المسئولين صدقوا الرجل، بل إن أطباء كبارا متخصصين فى الكبد وقعوا فى الفخ نفسه.
والمؤكد أكثر أن كبار المسئولين وقتها تلقوا معلومات محددة من متخصصين بأن هذا اختراع حقيقى.
حصل ما حصل وتم التأكد من الخديعة ومعاقبة البعض سرا. الإنسان يستفيد من الخطأ أو هكذا ينبغى، لكن بعض القضايا الأخيرة تفيد بأننا لم نفعل ذلك على الوجه الأكمل.
جاء موضوع شركة أرابتك الإماراتية، وتفاءل البعض بأن الشركة سوف تبنى فعلا مليون وحدة سكنية، وظن البعض وقتها أن هذا المشروع سوف ينهى أزمة الإسكان فى مصر بصورة جذرية. ظل الموضوع يتأرجح، حتى اكتشفنا أن الشركة تريد اقتراض الأموال من البنوك المصرية!!.
طيب إذا كان ذلك يصح، فلماذا اللجوء إلى شركة من خارج مصر من الأساس؟!.
تعثر الموضوع تماما لأننا لم ندقق فى كل التفاصيل بصورة واضحة وشاملة.
بعد ذلك جاء موضوع العاصمة الجديدة أو الإدارية لمصر واحتلت هذه القضية الواجهة خلال المؤتمر الدولى لدعم الاقتصاد المصرى فى شرم الشيخ فى مارس الماضى.
الموضوع كان مفاجأة شبه كاملة للجميع، وتم التوقيع المبدئى فى حضور رئيس الجمهورية.
عندما تحدث البعض عن ضرورة التمهل خرج كل المسئولين يؤكدون أن كل شىء تمام وتحت السيطرة.
ثم فوجئنا قبل أيام بأن هناك خلافا جوهريا حول نسب التملك فى المشروع، وهل حصة الأرض للجانب المصرى والمقيمة بـ24٪ من المشروع ستكون فى امتلاك الأصول بنفس القيمة أم لا ومن الذى يفترض أن يتحمل تكلفة المرافق، وصار الموضوع بأكمله فى مهب الريح.
النتيجة المنطقية التى يمكن الخروج بها من كل المشروعات الكبرى التى أشرنا اليها ــ ربما باستثناء مشروع قناة السويس الجديدة ــ تشير إلى صفة التعجل الشديد وعدم التروى والتمهل للدراسة الكاملة للموضوع، مما يلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الوطنى وصورة مصر وحكومتها، والأخطر أنه يشكك المواطنين فى الحديث عن أى مشرعات كبرى مقبلة.
هناك أخطاء كبرى وقعنا فيها، ربما تم الأمر بحسن نية حقيقية بحثا عن إنجازات حقيقية وكبيرة ترسل برسالة إلى المواطنين أن الحكومة جادة وناجحة وقادرة على إنجاز المشروعات الكبرى.
ليس عندى شك فى حسن نوايا الحكومة والرئيس فى هذا الأمر، لكن النتيجة المتحققة على الأرض هى وجود ثغرات كبرى فى هذه الاتفاقات أعطت صورة غير طيبة عن هذه المشروعات.
ليس هذا وقتا للعتاب أو اللوم، المهم أن نبدأ من الآن فى التدقيق فى كل شىء ودراسته دراسة وافية شافية، كاملة، لأنه فى هذه المشروعات فإن الشيطان يكمن فعلا فى التفاصيل.
علينا بالدراسة الجادة وعدم الإعلان عن أى مشروع قبل دراسته جيدا ثم مناقشته بعد ذلك مجتمعيا، وليس مجرد مناقشته فى بعض الصحف وبرامج الفضائيات لمدة يومين وينتهى الأمر.
نحتاج إلى هذا التروى والتمهل بشدة لأنه لا يوجد لدينا برلمان يناقش ويراقب ثم يتحمل مسئولية الموافقة أو رفض المشروع.
الاستمرار فى الطريقة القديمة سيعطى فرصة للمشككين والمتربصين ويجعلهم يقولون: «انظروا.. ألم نقل لكم إنها مشروعات فنكوش وكانت للدعاية واستهلاك الوقت فقط».
تمهلوا، ودققوا وارجعوا، ولا تعلنوا عن أى مشروع إلا بعد أن تقتلوه بحثا.