الدكتور نبيل العربي: مواقف لا تنسى
وليد محمود عبد الناصر
آخر تحديث:
الأربعاء 28 أغسطس 2024 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
رحل عن عالمنا واحد من أهم وأبرز وأكثر السفراء ووزراء الخارجية تميزا فى تاريخ الدبلوماسية المصرية، وواحد من أكثر من تركوا علامات مضيئة فى تاريخ السياسة الخارجية المصرية وفى تاريخ السياسة العربية وتاريخ الأمم المتحدة والقانون الدولى، خاصة عبر بوابة محكمة العدل الدولية، وخارج إطارها أيضًا، وهو السفير الدكتور نبيل عبد الله العربى، وزير خارجية مصر الأسبق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والقاضى الأسبق بمحكمة العدل الدولية.
والمجال يتسع ويطول عند الحديث عن مآثر الفقيد الكبير، وهناك الكثير والكثير الذى يمكن أن يقال ويكتب عن إنجازاته وبصماته على كل الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، ولكننى سوف أركز هنا على مواقف مختارة ومحددة بعينها وأحاول أن ألقى الضوء عليها، وهى جميعها تضاف بالطبع إلى دوره الأشهر فى قضية طابا فى العقد التاسع من القرن العشرين.
والموقف الأول الذى نذكره هنا هو دور السفير الدكتور نبيل العربى خلال مفاوضات كامب دافيد بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فى سبتمبر 1978، حيث كان أحد الخبراء القانونيين البارزين فى الوفد المصرى آنذاك نتيجة موقعه القيادى فى الإدارة القانونية بوزارة الخارجية المصرية، وكانت له مواقف وآراء وإسهامات هامة ولها قيمتها، بعضها تم الأخذ بها وبعضها الآخر لم يؤخذ بها فى حينه، وأشاد بهذه المواقف والإسهامات والآراء الكثيرون ممن شاركوا فى تلك المفاوضات فيما بعد وكان فى مقدمتهم وزير الخارجية المصرى آنذاك الراحل السفير محمد إبراهيم كامل فى مذكراته.
أما الموقف الثانى الذى نتطرق إليه هنا فهو عندما كان السفير الدكتور نبيل العربى مندوبا دائما لمصر لدى الأمم المتحدة فى نيويورك بدءًا من عام 1991 ولعب دورا بارزا ومؤثرا فى حشد التأييد وتعبئة الدعم على الصعيد الدولى لانتخاب الدكتور بطرس بطرس غالى رحمه الله أمينا عاما للأمم المتحدة، بعد ترشيح الدولة المصرية للدكتور بطرس غالى لهذا المنصب الأممى الرفيع. ولم يكن الأمر سهلاً أو يسيرا على الإطلاق، بل كان شديد الضبابية والتعقيد والغموض فى حينه.
ففى ذلك الوقت لم يكن هناك أى عربى أو إفريقى قد تم انتخابه لذلك المنصب الهام من قبل، كما كان هناك كثرة من المرشحين لذلك المنصب آنذاك، حتى من بين البلدان الإفريقية ذاتها، عندما بات هناك توجه دولى واضح بأن الوقت قد حان ليذهب هذا المنصب إلى شخصية إفريقية لتتولاه لأول مرة فى تاريخ المنظمة الدولية.
إلا أن السفير الدكتور نبيل العربى نجح، على الصعيد الميدانى فى نيويورك، فى إدارة المعركة الانتخابية بحنكة وحكمة ومهارة لفتت أنظار الجميع وحظيت بتقدير وإعجاب القاصى والدانى، ومع وجود أدوار وجهود هامة وأساسية على صعيد القاهرة آنذاك ممثلة فى السيد السفير عمرو موسى وزير الخارجية آنذاك والدكتور بطرس بطرس غالى نفسه الذى كان فى ذلك الوقت نائبا لرئيس الوزراء للاتصال الخارجى.
وقد اعتمد السفير الدكتور نبيل العربى فى جهوده تلك على قدراته وحججه الدبلوماسية والقانونية وخبراته فى العمل الدولى متعدد الأطراف وعلاقاته الدولية الواسعة المتراكمة على مدار أربعة عقود آنذاك من العمل فى صفوف الدبلوماسية المصرية، بما فى ذلك القدرة على التفاوض الثنائى أو المتعدد الأطراف، وإقناع الطرف أو الأطراف الأخرى بوجهات نظره، وتحييد المنافسين أو الخصوم، وكسب المزيد من الأصدقاء والأنصار والداعمين.
وقد كللت تلك الجهود المصرية مجتمعة بالنجاح وتحققت النتيجة المبهرة والإنجاز الكبير فى تاريخ الدبلوماسية المصرية أصبح الراحل الكريم الدكتور بطرس بطرس غالى أول أمين عام مصرى وعربى وإفريقى فى تاريخ المنظمة الدولية وتم انتخابه فى عملية انتخابية بدت بما يشبه الإجماع الدولى، مبرزة أيضا مكانة مصر العالمية وتقدير المجتمع الدولى لدور مصر وإسهاماتها فى النظام الدولى على مدار عقود طويلة منذ استقلالها الرسمى بعد تصريح 28 فبراير 1922 وانضمامها اللاحق لعصبة الأمم التى مثلت الشكل السابق للتنظيم الدولى، والتى كانت قد تشكلت بدورها فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى، قبل إنشاء الأمم المتحدة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945.
أما الموقف الثالث والأخير الذى نعرض له هنا فهو الدور البارز والهام للسفير الدكتور الراحل نبيل العربى خلال وفى الفترة التالية مباشرة لثورة 25 يناير ٢٠١١ فى مصر، فقد كان خلال تلك الفترة عضوا فى لجنة الحكماء التى حرصت على سلمية الثورة وعلى التأكيد على التكامل بين الجيش والشعب فى مصر، والحرص على الانتقال السلمى والسلس للسلطة بعد تنحى الرئيس الأسبق الراحل محمد حسنى مبارك ونقل سلطاته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى ترأسه آنذاك وزير الدفاع الأسبق الراحل المشير محمد حسين طنطاوى، وكان للسفير الدكتور نبيل العربى كعضو بتلك اللجنة دوره أيضا فى التواصل بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والقوى المدنية التى شاركت وساهمت فى الثورة. ولذا كان من الطبيعى والمنطقى والمتوقع أن يتم تعيينه فى مطلع مارس 2011 وزيرا للخارجية ليعكس رؤى جديدة تتماشى مع المرحلة آنذاك وتساهم فى صياغة وبلورة سياسة خارجية جديدة لمصر تتفق مع ما قبلها فى بعض الأمور وهى الثوابت وتختلف معها فى البعض الآخر وهى المتغيرات.
رحم الله السفير الدكتور نبيل العربى وسوف يبقى معنا ومع الأجيال القادمة من المصريين والعرب لقرون قادمة من خلال تراثه الكبير والهام الذى تركه لنا فى الكثير من المجالات.